بعد موسم درامي سوري مخيّب، لم تقنع شمّاعة كورونا الجمهور الذوّاق كحجّة وحيدة يُعزى إليها هذا التراجع، كما لم تقنعه شمّاعة الحرب سابقاً، مع التسليم بالضرر الأكيد الذي ألحقته الاثنتان بهذه الصناعة، ما حدا بالناشطين إلى إطلاق صرخة افتراضيّة عبر هاشتاغ «#دراما_بلدنا» عبروا فيها عن استنكارهم لمسلسل الانحدار الذي بلغ حدوداً غير مسبوقة. ولمّا كان أهل كلّ مهنة هم الأكثر حرصاً وغيرةً عليها من الدخلاء والطارئين، فمن الطبيعي أن يكون أبرز كتّاب السيناريو في صدارة من يتلقف هذه الصرخة أوَّلاً ثم تحويلها إلى إجراءات عمليّة توقف انهيار الدراما السوريّة وتنقذها قبل فوات الأوان. فقد خرجت أخيراً مجموعة من كتّاب الدراما السوريين بعد أسابيع من النقاش، بما عُرِفَ بـ «ميثاق الشرف للكتّاب الدراميين المستقلين» الذي يرون فيه محاولة لوضع ضوابط أوليّة قد تشكل الخطوة الأولى على طريق التعافي، ومن أبرز الموقّعين على الميثاق: ممدوح حمادة، خالد خليفة، عدنان العودة، سامر رضوان، جورج عربجي، فؤاد حمَيرة، رافي وهبي، مازن طه، أياد أبو الشامات، إيمان سعيد، نور شيشكلي، سلام كسيري،عثمان جحا، بلال شحادات، وخلدون قتلان. بنود الميثاق تنصّ على إرساء تقاليد جديدة في الوسط الدرامي، منها تعهّد الكاتب باحترام منجَز زملائه وعدم التدخل في نصوصهم أو تعديل أيّ بناء درامي لهم أو إعادة كتابته إلا بعد الحصول على موافقة الكاتب الأساسي وضمان الأخير حقوقه المعنويّة والماديّة كافة، والطلب من شركاء المهنة من منتجين ومخرجين وممثلين وفنيين الانضمام إلى هذه المبادرة، والسعي إلى وضع صيغة قانونيَّة موحَّدة لعقود كتّاب الدراما مع شركات الإنتاج وفقاً لأسس مهنيّة تحفظ حقوق الطرفين، والمطالبة بعدم استهداف الكاتب على خلفيّة ما يطرح في عمله الدرامي من مواقف فكريّة أو سياسيّة أو تقييد حريّة تفكيره، بما يؤثر سلباً على نوعيّة الدراما التي يقدمها، والتصدّي لمحاولات بعض المموّلين تبعاً لأجنداتهم السياسيّة إبعاد هذه الإنتاجات عن واقعها ونزعها من شرطها التاريخي وعزلها عن محيطها وتحويلها إلى منتَج كسيح ليس فيه من سوريا إلا لهجتها، وإعلان الكتّاب تحملهم المسؤوليّة مع بقيّة العناصر عن الأعمال التي أسهمت في رسم الصورة الحاليّة للدراما السوريّة.
وكان من الطبيعي أن تلقى الخطوة ترحيباً من بعض المعنيين بهذا الهمّ في سوريا وخارجها، مقابل تريّث البعض الآخر، على خلفيّة التوجّس الدائم من أيّ تجمّع جديد واستهدافاته المفترَضة، أو ربطاً بالمواقف السياسيّة لبعض المشاركين، فيما برزت انتقادات عديدة طالت الميثاق والموقعين عليه من قبيل اتّهامهم باستبعاد بعض الكتّاب الكبار وتغييبهم، أو اعتبار ما جاء في الميثاق «مجرّد أمنيات تحفل بلغة إنشائيّة أنهكت الإنتاج السوري لسنوات طويلة واعتادها الموقّعون العاطلون عن بيع نصوصهم للمنتج السوري فيما يعتبرون أنفسهم كتّاب الصف الأوَّل».
وبعد ذكر اسم حسن سامي يوسف بوصفه أبرز الكتّاب «المغيّبين»، ردَّ «المعلم» على المستغربين والمستنكرين، موضحاً أنَّه دُعيَ إلى هذا المحفل منذ البداية الأولى واعتذر عن عدم المشاركة لقناعته بلا جدوى أيّ بيان في إصلاح التردّي الذي وصلت إليه الصنعة الدراميّة في سوريا.
التصدّي لمحاولات المموّلين بإبعاد الإنتاجات عن واقعها ونزعها من شرطها التاريخي


الكاتب خلدون قتلان أحد الموقّعين على الميثاق وأشدّ المتحمّسين له رأى في حديث إلى «الأخبار» أنَّ المبادرة وضعت يدها على أبرز مشاكل الدراما السورية التي يعرفها القاصي والداني وهي: غياب المشروع، والروح الفرديّة، وندرة المنتِج المثقف، وتوجّه الطاقات إلى أماكن أخرى، بالإضافة إلى عوامل أخرى خارجيّة مثل ظروف الحرب التي لا يمكن إلقاء كلّ تبعات التراجع على عاتقها. وأكّد أنَّ الدراما هي حصيلة عمل جماعي، لكن اللبنة الأساسية لها هم كتّاب السيناريو، وهو ما يفسّر تداعي هؤلاء أوَّلاً إلى أيّ محاولة إنقاذية، بعدما تحوَّل الكاتب في السنوات الأخيرة إلى مجرَّد أداة تنفيذيّة لصياغة ما يطلبه البطل الأوحد للعمل، بما من شأنه تضييع المشروع الدرامي بالكامل. وتابع أنَّ الأمر يتطلب نوايا صافية وبناء علاقة سليمة بين الكتاب أنفسهم قبل الانفتاح على الآخرين، وإرساء تقاليد جديدة تحكم العمل الجماعي كما في الدراما المصرية التي تبقى الأكثر احترافاً بفضل تقاليدها التي أرساها جيل من الروّاد. أمّا عن تهمة الاستبعاد، فرأى أنَّ القائمين على المبادرة وجّهوا الدعوة في البداية إلى مجموعة من الكتّاب بناءً على تنوع أعمالهم (ممن ينشطون في مجال كتابة النصوص التاريخيّة أو الاجتماعيّة أو الكوميديا أو التراجيديا) وليس على أهميّتهم. كما فتحوا باب الانضمام للجميع من دون أيّ شروط مسبقة ولا يزال هذا الباب مفتوحاً، داعياً إلى حالة تبنّي عامَّة للمبادرة من الزملاء والمهتمّين والمؤسسات الرسميّة والشركات الخاصَّة، وفضَّل عدم الردّ على الانتقاص من شأن الموقعين لأنَّ استعراض أعمالهم المعروضة يكفي. واعتبر أنَّ انطلاق المبادرة من الكتّاب ومناداتها بحقوقهم لا يعني أنَّها خاصَّة بهذه الفئة دون غيرها، بل هي تستهدف النهوض بالدراما السوريَّة بما يعود بالنفع على الجميع، بمن فيهم المخرج والمنتج والممثل وغيرهم، وهذا ما يضمن رفع المستوى والارتقاء بذائقة المتلقي. وأشار إلى أنّ دعوة بقيةَّ العناصر للانضمام ليست بهدف نُصرة الكتاب وتبنّي مطالبهم، بل ثمَّة مروحة واسعة من الأفكار المتنوّعة التي تأخذ هواجس الجميع ومطالبهم في الاعتبار.
ورأى أنَّ ردّ المجموعة على من يَعتبر المبادرة غير ذات أهميّة سيتّضح قريباً من خلال خطوة عمليّة، مؤكداً «ذهابنا قريباً إلى أماكن ستفاجئ كثيرين» ومفضّلاً عدم الكشف عن ماهيّتها قبل أن يحين الوقت المناسب. واعتبر أنَّ أجمل ما في المبادرة هو أنَّ مجموعة من السوريين من اتجاهات مختلفة تحاوروا في وقت صعب وخرجوا بميثاق جامع للنهوض بالفن، وأنَّ كلاً من الموقّعين عليه بات يتحدَّث بضمير الجماعة ويحرص على تحييد آرائه ومواقفه الشخصيّة عند إجراء أيّ حوار صحافي مكتفياً بتقديم ما اتّفقت عليه المجموعة، وهذا إنجاز بذاته، خاتماً أنَّ اجتماع الأصوات هو ما يصنع الموسيقى الجميلة.