ساد الهدوء على حوار الأمس. أجادت الإعلاميّة وأبدعت في احترام الضيف. «الاستماع» كان سيّد الموقف. قاعدةٌ قلّ مثيلها في الحوارات التلفزيونية، ولطالما افتُقدت في اللقاءات المفتوحة مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله. وبينما كان البعض يمتهن مقاطعة الضيف و«التذاكي» عليه كممرٍ حصينٍ للـ «إحترافية»، قدّمت الإعلاميّة في إذاعة «النور»، بثينة علّيق، نموذجاً جديداً وراقياً في إظهار القوّة المهنيّة. ظهرت علّيق واثقة بعيداً عن الاستعراض. جاءت مستمعة لكلام، رسمت هي خطوطه العريضة، يصف المرحلة الحالية. وضعت ما تحمله في جعبتها من «قدرة التغلّب» على الضيف جانباً. انتصرت الأخلاق على المهنة. حضرت بلا استعراض، بلا نيّة لإظهار الذات، وبدون كلفة في المظهر.من يتابع الإعلاميّة بثينة في برنامجها الإذاعي «السياسة اليوم»، يُدرك حجم الجهد الذي بذلته أثناء المقابلة في السيطرة على أدائها دون مقاطعة الضيف، إلا ما ندر. من دون أن يؤثر ذلك على طرحها مجمل الأسئلة التي تدور بين أروقة المتابعين. تتمتّع الإعلامية بثقافة عالية ومعارف واسعة تُتيح لها تلخيص مسارات تاريخية بدّقة، وتُمكّنها من اكتشاف هشاشة ضيوفها وفراغاتهم الفكرية. هي عشرون عاماً من العمل الإذاعي الذي رافق صباحات الناس، من سائق الأجرة الذي ربما لم يحفظ سوى اسمها إذاعياً، إلى الموظف والصحافي والسياسي في مكتبه أو سيارته، وصولاً إلى الوسائل الإعلاميّة التي ترصد برنامجها وتتابعه بانتظام لتنتهل منه ما تريد. قد يكون من المبالغة، إلى حدٍّ بعيد، القول بأن الجمهور انتظر مساء الثلاثاء المحاوِرة أكثر من الضيف نفسه، لكنّ الحماسة والتشويق اللذين رافقا المتابعين طيلة الأيام السابقة، كانا كفيلين باشعارنا بمدى انتظارهم ورغبتهم العاليتين لشيء جديد تقدّمه الإعلامية لهم.
أسدلت المحاوِرة اللثام على مشاعرها، التي تحملها (عن غير قصد) من بيئتها المشتركة مع الضيف. أزاحت عواطفها جانباً. نقطة إضافية تُسجّل لها. لكن المقابلة لم تخلُ من بعض الخيبات. لم تدخل الإعلاميّة في عمق تطلّعات السيد، ربما عن قصد، بما لا يضّر الجهة التي يمثلها بشيء. لم تطرح علّيق سؤالاً «نارياً» أو تتخذ موقفاً سياسياً قويّاً تضّج به الصفحات الإخباريّة. لم تجهد، فعلاً، في أن تنتزع من السيّد ما لا يريد، لكن كان بالإمكان أن تُخرج منه معلومة أو موقفاً خاصاً في مسائل شخصيّة ربما، التي يلهف المحبّون إلى سماعها ومعرفتها، مثلما فعل الإعلامي عماد مرمل حين دفع السيّد إلى الإجابة على تفاعل محبّيه على مواقع التواصل بعبارة «إني أحبكم»، التي لا يزال صداها يتردّد حتى اليوم. أو مثلاً في تحصيل «سكوب» شبيه بمعرفة الراتب الذي يتقاضاه أمين عام حزب الله والذي أعلن عنه في مقابلة مع الإعلامي سامي كليب، أو ما شابه ذلك بما يخدم بمهنيّة صورة القائد أمام جمهوره.
أطلّ الأمين العام لحزب الله في ذكرى عيد المقاومة والتحرير حيوياً متفاعلاً. يمزح تارة ويمرّر بلطف تهديداته المضمرة طوراً، مُمكساً بأطراف الحوار من كافة الجوانب. الإتزان، الرصانة، والأخلاق هي أبرز الصفات التي نادى بها المتابعون المحاوِرة، ولو أنها بالغت نوعاً ما في ضبط إنفعالاتها وتعابيرها الجدّية طيلة الساعات الثلاثة. هذا ما يُبرّره ويفرضه العمل خلف «الأثير» الذي شهد لها طيلة السنوات الماضية. ولعلّ أبرز ما نال إعجاب المتابعين هو التلخيص في الختام الذي اعتادت عليه الإعلاميّة في جميع مقابلاتها، والذي نال إعجاب السيّد أيضاً من دون أن يتردّد في التعبير عن ذلك وقول «ماشاء الله». وبهذا النموذج الجديد، كسرت الإعلاميّة قواعد المقابلات مع السيّد، إذ لقى رواجاً ودعماً لا مثيل لهما. ثمة عطش إلى نموذج بثينة في الإعلام المقاوم. نبحث عن علّيق في الشاشات من زمن. نموذجٌ لا يغريه بريق الشهرة، يمنح في الأنفاس الأخيرة الأمل في كسر القاعدة التي فُرضت زوراً «المظهر أولاً»، ليُعيدنا إلى القاعدة الحقيقيّة للمهنة «نجاحك بما تعرف لا بما تظهر».