لدى مباشرة مستشار البيت الأبيض وصهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير، بإطلاق صفقة القرن في حزيران (يونيو) الماضي، والحديث عن «استثمارات مالية» ستتدفق على الأراضي الفلسطينية، والدول العربية المجاورة، دخل الإعلام الخليجي وقتها على الخطّ، واضعاً كلّ ثقله للتسويق للدعاية المسمومة. راح يتلاعب بالمصطلحات ويطوّعها خدمةً للمشروع الأميركي - الصهيوني. قناة «العربية» شكّلت رأس حربة في الترويج للصفقة، من خلال ترداد كلام كوشنير بوصف الصفقة «فرصةً لمستقبل أفضل للفلسطينيين». شكل الإعلان عن «صفقة العار» المدخل الأوضح والمعلَن لتصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة إغراق باقي الشعوب التعيسة التي تعيش بجوارها بالأموال. الخطة الأميركية، فرملت، بعد رفض فلسطيني رسمي وشعبي، واجتياح كورونا للعالم. تغيّرت الأجندات، واستحوذ الوباء على المشهد السياسي والإعلامي. لكن مع وصول شهر الصوم، بدأت تتبدى مشهدية أخرى، تتقاطع مع ما حصل قبل عام تقريباً، في دول الخليج. هذه المرة، دخل صنّاع الدراما على الخط، ووضعوا ثقلهم على شبكة mbc السعودية، واستغلوا الشهر الكريم، لبثّ مزيد من السموم، واللعب على المغالطات التاريخية، سعياً للعبور نحو بوابة التطبيع المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي وأنسنته.ضمن هذا السياق السياسي جاء مسلسل «أم هارون» (تأليف محمد وعلي شمس، إخراج محمد جمال العدل)، الذي نجح في إثارة الجدل منذ طرح إعلانه الترويجي قبل أيام من رمضان. تعالت الأصوات، متّهمةً المسلسل بأنسنة الجلاد، واستخدامه الدراما للولوج صوب التطبيع. المسلسل الذي مُنع في الكويت، بسبب تعارضه مع توجهات البلد الخليجي حيال الشعب الفلسطيني، تصدرت بطولته الممثلة الكويتية حياة الفهد، التي جسّدت سيرة «أم هارون» اليهودية، في إطلالة على حياة يهود الخليج، وتحديداً في الكويت خلال أربعينيات القرن الماضي. تتشارك الفهد في إنتاج العمل من خلال شركتها «الفهد» بالتعاون مع شركة «جرناس» للإماراتي أحمد الجسمي. وكلاهما يعمل كمنتج منفّذ لدى الشبكة السعودية. علماً أن المسلسل صوّر بالكامل في الإمارات، بعد حيازته إجازة نصّ هناك.
حراك إلكتروني سريع، جابه الأفكار المسمومة التي يصدّرها المسلسل، ودعا إلى مقاطعته، بما أنه يستخدم اللغة الدرامية، ويتكئ على المغالطات التاريخية، لإثارة التعاطف مع اليهود الذي يعودون إلى «أرضهم» (أي فلسطين) وفق سياق المسلسل! على رأس هذه الحملات «اتحرك» التي دعت إلى مقاطعة المسلسل، واعتباره مروّجاً «لإزالة الحاجز النفسي والعدائي» لدى العرب تجاه «إسرائيل»، من خلال الدعوة إلى التعايش معها. مع بدء حلقات المسلسل، ظهّرت أكثر فأكثر الرسائل التطبيعية والخادعة، خاصة في إخفاء أي ذكر لفلسطين، مقابل الاعتماد على الرواية الصهيونية في عودة الصهاينة إلى «إسرائيل». الجدل المثار حول المسلسل الخليجي، لم يقف عند حدود أخذ ورد عربي، بل دخل الإسرائيليون مباشرةً على الخطّ، والتقطوا الضجّة المثارة حوله، وراحوا يشيدون في إعلامهم بالعمل. وكذلك فعل المتحدّث باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي.
«سعوديون ضد التطبيع» تصدّت للمسلسلين وعرّت مضامينهما


على مقلب مشابه، يسير بالتوازي مع «أم هارون» مسلسل آخر يندرج ضمن إطار الكوميديا: «مخرج 7» (تأليف خلف الحربي ــــ إخراج أوس الشرقي)، يتصدّر بطولته الممثل السعودي ناصر القصبي، ويقحم في حبكته، القضية الفلسطينية أيضاً. وفي بعض حواراته الذي انتشر أخيراً على السوشال ميديا، يجاهر المسلسل باعتبار أنّ «إسرائيل» ليست عدواً، متبنّياً للمرة الأولى خطاباً تطبيعياً واضحاً ومباشراً. في الحلقة الشهيرة للمسلسل، الذي يمثّل فيها القصبي دور الأب القلق على صداقة ابنه الصغير مع صبي إسرائيلي يتشارك معه الألعاب الإلكترونية، يدور حوار بين القصبي وبين الممثل راشد الشمراني. يشنّ الأخير هجوماً على الفلسطينيين، واصفاً إياهم بالأعداء، لأنهم «يهاجمون السعودية»، ومدّعياً أن المملكة «شنت حروباً» كرمى لفلسطين. لكن بحسب الشمراني، هؤلاء لم «يقدّروا» تضحيات السعودية، واعتبرهم «أسوأ من الإسرائيلي»! ويتابع الشمراني كلامه، جازماً: «إسرائيل موجودة عاجبكم أو مش عاجبكم»، ساخراً من الحديث عن نهاية «إسرائيل»، ومستخدماً خطاباً انبطاحياً استسلامياً يعتبر أننا لم نحقق شيئاً إلى يومنا هذا بخصوص القضية الفلسطينية، سوى «الكلام والجعجعة». المقطع تُرجم إلى العبرية، وعُرض على منصات الإعلام الإسرائيلي، وحظي بإشادة منه، بما فيها قناة 12 الصهيونية. إذ نقلت صفحة «سعوديون ضد التطبيع» قبل أيام هذه الإشادة واعتبار القناة الصهيونية في تقرير لها بأنّ المسلسل «ينقل رسائل إيجابية تجاه إسرائيل»، ويدعو إلى التعامل التجاري معها، ويصنف إسرائيل بأنها «ليست عدواً». وخلص تقرير القناة إلى توصيف ما حدث بأنه «تغيير جذري يتجاوز عتبة التطبيع». هكذا، بدا مسار واحد ومباشر يجمع الشبكة السعودية والإعلام الإسرائيلي، في ردّ مباشر والتقاط للغضبة العربية جراّء المضامين التي تخرج علناً للمرة الأولى درامياً. أمر حاولت التخفيف منه أو الاستخفاف به وسائل إعلامية سعودية، كصحيفة «الشرق الأوسط»، التي سمّت ما حدث بـ«فوبيا التطبيع» في محاولة لتسطيح ما يُعرض على الشبكة السعودية.
إلّا أن المنصات الافتراضية المناهضة للتطبيع لم تكتفِ بالشجب، إذ انطلقت حملات عدة على رأسها «سعوديون ضد التطبيع»، التي تضمّ أكاديميين ونشطاء سعوديين، يعملون جاهدين على تفكيك الخطاب التطبيعي المسموم من البوابة الدرامية. هؤلاء نجحوا في الأيام الماضية، في تعرية الرسائل التطبيعية في كلا المسلسلين، وعرضوا نقاشات هادئة وحاسمة، معتبرين أنّ ما تقدمه mbc، يهدف إلى تشويه الوعي التاريخي، وشرذمة الصف العربي المناصر للقضية الفلسطينية... صفّ يقف إلى جانبه السعوديون شعباً لا حكّاماً!