انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية مقطع فيديو مدَّته دقيقتان قيل أنَّه من مسلسل مصري أنتج قبل 24 عاماً، يصوّر عائلة صعيديَّة تتخذ إجراءات عديدة من بينها الحجر المنزلي بشكل مطابق لما هو سائد اليوم في معظم أنحاء العالم، تلافياً للإصابة بمرض معدٍ. إلا أنَّ سبب الانتشار السريع للفيديو وتفاعل الناشطين معه بكثافة عائد إلى ورود كلمة كورونا حرفياً على لسان الشخصيَّة التي تؤدّيها فادية عبد الغني في آخر المقطع، ما اعتبره الناشطون نبوءة غريبة من الفنانة المصرية لما يشهده العالم اليوم من انتشارٍ لفيروس كورونا المستجدّ.
التدقيق في الفيديو يبيَّن أنَّه أحد مشاهد الحلقة 23 من مسلسل «الوتد» (مسلسل من 25 حلقة، كتابة خيري شلبي وإخراج أحمد النحاس وبطولة هدى سلطان ويوسف شعبان/ إنتاج 1996)، وهي الحلقة التي تدور حول تفشي الكوليرا في مصر. المشهد يصوّر سطوة ربَّة الأسرة الصعيديَّة فاطمة تعلبة (هدى سلطان) على أفراد أسرتها من أبناء وزوجات أبناء، وهي تطلب منهم التزام غرفهم وإحراق ثيابهم وتناول الثوم صباحاً وتقديم عصير الليمون للأولاد، وإذ ترفض مريم (فادية عبد الغني) دخول غرفتها قبل عودة زوجها درويش (يوسف شعبان) الابن الأكبر لفاطمة، فإن الأخيرة ترد عليها: «درويش كبير وبيفهم ما بينخافش عليه»، فتستنكر قائلةً: «هي الكوليرا هتسيب كبير ولا زغيّر؟».
وبما أنَّ الكلمة الأجنبية «كوليرا» كانت إبان تفشي الوباء في مصر لفظة طارئة على الصعايدة وربَّما على عموم المصريين والعرب، فقد ارتأى المخرج أن تلفظها مريم «كورورّا»، لإضفاء مزيد من الصدقيّة على المشهد، لتخرج الكلمة بسبب سرعة نطقها أقرب إلى كورونا.
اللافت أنَّ النبوءة، لو كانت حاصلة فعلاً، كان يُفترّض أن تُنسَب إلى كاتب النصّ، وهو هنا المبدع الراحل خيري شلبي (1938 – 2011)، لا إلى الممثلة التي أدَّت الدور ملتزمة بما كُتِبَ لها، ويمكن هنا استغلال اللحظة للتصويب على مسألة إهمال الحقوق المعنويَّة لكتّاب السيناريو العرب من قبل المتلقي كما من قبل الصحافة الفنيَّة، والتعامل مع الأخير في كثير من الأحيان كما لو لم يكن موجوداً، واقتصار الحديث عن العمل الفني على تداول أسماء الممثلين وخصوصاً النجوم منهم، ونسبة النجاح لهؤلاء وحدهم، وأحياناً للمخرج.