حالة عامة من الإزدواجية تصيب رواد مواقع التواصل الاجتماعي. إزدواجية جماعية يظهر عند المناسبات والقضايا العامة. كان هذا جلياً في «يوم المرأة العالمي» الذي تحوّل من مناسبة عالمية ذات أصول تاريخية وأبعاد حقوقية، إلى حفلة هرجٍ سطحي. انقسم المحتفلون الافتراضيون إلى فئات كثيرة. لا يمكن تغييب دور المنظمات الدولية والمحلية التي أرادت لهذا اليوم أن يكون فرصةً للتذكير بضرورة العدالة بين الجنسين، خصوصاً، وبين البشر عموماً. مثلاً، أطلقت الأمم المتحدة حملة على منصات التواصل الاجتماعي تهدف إلى «الكفاح من أجل المساواة في الحقوق»، فكان هاشتاغ #جيل_المساواة هو الشعار. احتفالية المنظمة لعام 2020 أتت تحت عنوان «أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة»، تخلله إطلاق لحملة، نشطت على السوشال ميديا، خاصة تويتر، دعت إلى «تغيير ليس بالضرورة أن يكون استثنائياً»، بل بالأفعال الصغيرة التي يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي.المنظمة، ومعها منظمات عديدة دولية ومحلية، سلطت الضوء على واقع المرأة في عصرنا، من خلال «ضخ» أرقام وبيانات هائلة، بأساليب عصرية تلائم حاجة المتصفحين وطبيعة تلقيهم «المستعجلة» للمعلومة. عمدت المنظمة إلى تحويل مخزونها من البيانات إلى صور وخرائط ومقاطع مصورة وجداول وإنفوغرافيكس، تخدم القضية وتقدمها لـ «المستهلكين» الافتراضيين بسهولة.
على قدر متساوٍ من الجدية، احتفلت العديد من نساء لبنان بهذا اليوم بالتذكير بواقعهن. قضايا عدة طرحت من خلال المنشورات، منها عدم قدرة المرأة اللبنانية على إعطاء الجنسية لأبنائها، وقوانين التحرش المجحفة التي تظلم المعتدى عليهن بغالبيتها، فضلاً عن قضية سن الحضانة في المحاكم الدينية، وارتداداته على الأمهات. رأت المغردات والناشطات أنّ «يوم المرأة» ما هو إلا تذكير بضرورة السعي الدؤوب لتحقيق العدالة في القضايا المذكورة، وأنّ الطريق ما زال طويل، لكنه ممكن.
لا بد من الإشارة إلى أنّ ثمة وعي جماعي لم يكن ظاهراً من ذي قبل، مرتبط بفكرة «تقبل الذات»، بما يتخلله ذلك من «عيوب» رسم إطارها المجتمع، كالشكل والوضع الاجتماعي وغيرهما. ربما لوسائل التواصل الاجتماعي فضلٌ في خلق شبكة من الأفكار التي تجمع المؤمنين بالاختلاف، تحت سقف افتراضي واحد. هذه الظاهرة تكسر الأنماط الاجتماعية التي لطالما «علّبت» المرأة، وحدّتها، وكان للتلفاز ووسائل الإعلان التقليدية، دور بارز في ترسيخها. قنوات الإعلام والإعلان تلك لعبت دوراً أحادياً في إيصال رسائل معدة مسبقاً، للجمهور؛ لم يكن للناشطات وللناشطين دور في «الأخذ والرد»، وبالتالي فتح أفق للحوار وتعميم مفهوم النقد والتصويب.
على الضفة الأخرى، تعامل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع «يوم المرأة العالمي» كـ «ترند»، ليس إلا. استفاض البعض بالنكات مطلقين تعاميم عمياء تطال النساء بالمطلق. صفة «النكد» مثلاً التي رافقت المئات من المنشورات، هي موّال شرقي لا ينفك كثيرون عن ترداده، حتى أخذ هذا النعت حيزاً في لا وعي العلاقات التي تربط المرأة بالرجل في مجتمعنا. لطالما تناقل الناس على منصات التواصل الاجتماعي هذه النكتة، حتى أصبحت صفة «النكد» تهمة جاهزة، تبتز بها المرأة. في السياق نفسه، تشتهر نكات الماكياج الذي أخَّر المرأة عن حضور «يوم المرأة العالمي»! صورة نمطية عن المرأة الجميلة والمتبرجة و«السطحية»، تعاني منها المرأة كثيراً، بطريقة أو بأخرى، أصبحت نكتة من لا نكتة له.
على حائط الاحتفال الافتراضي، كان التعبير سهلاً إذ خلقت مساحات واسعة لمشاركة الأفكار، التي في أغلب الأحيان تبقى أفكاراً. لكن في مجتمع كالمجتمع اللبناني، كثر «المفكرون» وقل «الفاعلون». كم من المحتفلين يكرمون نساءهم؟ كم منهم يؤمنون بالمساواة في الفرص والقوة والأدوار؟ في بيوت أولئك، ومحيطهم، الكثيرات من المعنفات، جسدياً ونفسياً. أمهات منكسرات، مطلقات مبتزّات، عاملات منازل منتزعات الحقوق، مفكرات غير مقدرات، جميلات مستخف بهن، مختلفات يتعرضن للتنمر، وغيرهن كثر!
ربما باعتقاد الأمم المتحدة بالأفعال الصغيرة لتحقيق العدالة، شيء من الواقعية. بمعنى آخر، إنّ المسؤولية الاجتماعية التي يتحملها كل فرد ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ضرورية. لا النكات عابرة، ولا التمنيات الشاعرية كافية، فقد تتحول الأولى إلى تنميط فتنمر وابتزاز، بينما تبقى الثانية في خانة الانفصال الكلي عن الواقع.