حتى اللحظة، يفشل اعلام المقاومة في رسم أي شيءٍ في المعركة التي يخوضها. سيخبرك بعضهم بأنَّ هذا الإعلام «ضعيف» و«ينفق عليه القليل». هذا الكلام مردودٌ بشدة. بدايةً لأن هذا الإعلام يمتلك قناة بحجم «الميادين»، وقناة مؤثرة ـــ وإن كئيبة بعض الشيء ـــ مثل «المنار»؛ فضلاً عن مئات الصفحات الناشطة عبر وسائل التواصل الإجتماعي وجمهور «طويل عريض» من المؤيدين الإفتراضيين والفاعلين أيضاً. إذاً ما المشكلة؟المشكلة حتى اللحظة هي غياب أي «رؤية» لهذا النوع من ردات الفعل. لنأخذ الحراك الذي حدث، فلنقل بأن المتظاهرين معهم حق في جزءٍ كبير من مطالبهم وما يقولونه، لكن هناك أمور يجب السؤال عنها وتقلق المقاومة التي يمثّل حزب الله رأس حربتها وهي:
1- مصادر تمويل هذه الحراكات: مثلاً، هناك أمور بسيطة يجب السؤال عن مصادر تمويلها، وهي صغيرة ولكنها واضحة كالحمامات «النقالة» في ساحات الإعتصام التي يبلغ كلفة الواحد منها حوالي 200 دولار أميركي لكل يوم. وإذا افترضنا أن عددها 10، يعني هناك 2000 دولار يومياً، السؤال من يدفع هذا الثمن يومياً؟. ماذا عن «البوديوم» والصوتيات والإضاءة التي تكلّف الكثير؟ ماذا عن الطعام الذي يوزّع يومياً من مؤسسات فعلياً لا تمرر أي شيء بلا مقابل. السؤال المهم: من يدفع؟ وإصرار الحراكات على تسخيف أي سؤال من هذا نوع هو قمة «الدفاعية». يعني في النقطة ستسمع ألف «ساخر» وألف «مسخّف» للموضوع مع صور وفيديوهات وبوستات وتغريدات؛ لكنك عليك أن تستمر كي تفهم أين الحقيقة.
2- التأييد الاندفاعي والمطلق من مجمل الشخصيات/ الجهات الممولة غربياً (أوروبياً وأميركياً). ألا يحق لأي متفكر أو عاقل السؤال حول فكرة «لماذا يؤيد الغربي وأدواته هذه الحراكات؟» (يعني شاهد الجميع كيف أنَّ الجامعة الأميركية بشخص رئيسها وطلابها يشاركون بكل قوتهم في الحراكات، مع العلم بأن الجامعة وإدارتها كانت تمنع أي عمل «سياسي» في الجامعة يميل لتأييد المقاومة تحت حجج مختلفة).
3- التأييد من جماعات لا تعمل في السياسة سابقاً لهذا الحراك، كالجمعيات النسوية والمرتبطة بحقوق المثليين وسواهم. هذه الجمعيات لم تكن لتحرّك ساكناً في السابق تجاه أي قضية اجتماعية/ وطنية من أي نوع، لماذا دخلت الآن على الخط؟
4- غياب أي مشروع/ طلب/ طرح سياسي من أي نوع على هذه الحراكات. بمعنى أن هذه الحراكات تريد كل شيء ولا شيء دفعةً واحدة. ميزة هذا النوع من المطالب أنه «مطاط» للغاية بحيث يمكنك أن تضع فيه أي شيء. نعم يدفع المواطنون ثمن كل شيء مضاعفاً لأن «السرقة» علنية ووقحة من جانب السياسيين، لكن حتى اللحظة الحراك هو «مطية» بشكل أو بآخر لطلبات مفتوحة بشكل كبير.
5- التغطية الإعلامية المدفوعة الأجر. في النهاية هذه القنوات الفضائية ساعات بثها المباشرة تكلّف مالاً. من يدفع هذا المال؟ ولماذا؟ هذا السؤال شديد الأهمية خصوصاً أن معظم هذه القنوات تطلب من مراسليها توجيه الحراك، توجيه الأسئلة ناحية أهداف محددة. وهذا يظهر لأي متابع.
إذاً تفشل حتى اللحظة كل قوة المقاومة الإعلامية في طرح الأسئلة المناسبة أو حتى الحصول على الإجابات على هذه الأسئلة. إذ ماذا كان يمنع هذه الوسائل الإعلامية من النزول إلى ساحات الإعتصام والسؤال عن مصدر هذه الأموال والبحث خلفها ضمن مهمة «صحافة استقصائية» محددة. ماذا عن الابتعاد عن البوستات التمجيدية للمقاومة والتخوينية للآخرين والإتكاء بشكل كلي على الأسئلة؟ بمعنى بوست من نوع «لبيك يا نصر الله» هو أمرٌ رائع، لكنه في هذه المرحلة لا يجيب على الأسئلة التي لدى كثيرين، وبوستات من نوع «خونة وعملاء واضافة صور سخيفة حول الموضوع» لا يخدم البتة. في هكذا معركة العقل هو ضرورة وأساس.
على الجانب الآخر استضافة أشخاص مستهلكين، هجوميين، وسخيفين على الهواء واعطاؤهم مساحة لا تفيد نهائياً. أحد أفضل المقدمين والمذيعين في تلفزيون «المنار» منار صباغ وقعت في هذا الفخ مثلاً، حين اعطت الهواء لشخصيتين غير مناسبتين في هذه المرحلة البتة: نبيل عبدالساتر وعلي حجازي وكلاهما تحدّث بطريقة فوقية استعلائية وساخرة غير مناسبة في هذه المرحلة. حجازي أشار إلى أن على المتظاهرين القبول بما بين أيديهم لأنه لن يجدوا من يجلس معهم في المرحلة اللاحقة. وهذا الكلام سيء لأنه ببساطة يحفز الناس على التحدي والنزول إلى الشارع أكثر. لربما أيضاً أسلوبه المستفز هو جزء من المشكلة. نبيل عبدالساتر بدوره بدأ باعطاء توصيفات/ شتائمية لبعض الأشخاص الذين يعملون في المجال الإعلامي من دون الحاجة نهائياً لذلك. يضاف إلى كل هذا في الحلقة طبعاً استضافة كل «التيار الوطني الحر» في الحلقة (أكثر من 10 أشخاص من التيار الوطني في حلقة واحدة كما لو أنه ليس هناك سواهم في الوطن)، مع إضافة رتوش من المؤيدين للمقاومة. لماذا لم تتم استضافة مؤيدين للحراك ونقاشهم بشكل عقلاني مع ضيوف قابلين للحوار؟ حتى اللحظة هناك مشكلة كبيرة لدى هذا الإعلام، مشكلة أكبر من كبيرة. للأسف.