عشرة أيام مرّت على بدء التظاهرات المطلبية التي تعمّ شوارع على امتداد البلاد. وسائل الإعلام المحلية «متمترسة» في الساحات متّبعة سياسة «الهواء المفتوح» طوال الليل والنهار، طارحة نفسها «شريكاً» أساسياً في قيادة «الثورة» على العَفَنْ الذي ينخر في جسد الوطن. لا يمكن نكران بعض المواقف المهمّة التي اتّخذها مراسلون على الأرض، خصوصاً مواكبة المتظاهرين في بداية الحراك وتصوير اعتداءات القوى الأمنية عليهم. لكن من الضروري ألّا ننسى طبيعة العلاقة بين الإعلام والسلطة في بلادنا، حيث تخضع هذه المؤسسات لأباطرة المال وبارونات الفساد والميليشيات والطائفية، ونعي حرصها الواضح على حرف خطاب الشارع نحو تصفية حسابات سياسية على حساب الأوجاع والمطالب الحقيقية. حتى أنّ منابرها تحوّلت في كثير من الأحيان ومع مرور الأيام إلى ما يُشبه «تايملاين» يغصّ بالمنشورات الصالحة لتويتر وفايسبوك، والتي تتعرّض غالباً للـ «فلترة» من قِبل المراسلين.
(أنجيلا شاي ــ الولايات المتحدة، تايوان/ NPR)

منذ سنوات، تشكو المحطات من أوضاع مالية صعبة «تمنعها» من تحقيق أرباح ودفعت إحداها أخيراً إلى التفكير جدياً في صرف موظفين، فيما تطرح وتنفّذ بين الحين والآخر خطوات تمكّنها من «الصمود»، كلجوء الرئيسية منها (lbci، «الجديد»، mtv) إلى التلفزة عبر الإنترنت والمشاهدة حسب الطلب أي الـ VOD، أو الحصول عبر مصرف لبنان على قروض مالية ضخمة انتهى بها الأمر طبعاً في جيوب أصحاب هذه المؤسسات.
أزمة مادية أرخت بظلالها على البرمجة لناحية النوعية والكمية وتعثّر الولادة. ففي الخريف الحالي مثلاً، ساد البُهْت وقلة الجاذبية والأفكار المكرورة على المشاريع التلفزيونية التي أبصرت النور أو تلك التي كان يتم التحضير لها، في ظل سيطرة البرامج الاجتماعية وانحصار المنافسة في الدراما.
ما جرى في الشارع ربّما أراح القائمين على الشاشات التي عمدت إلى فتح هوائها لمواكبة ما يجري ووزّعت مراسليها على بقع جغرافية مختلفة، في الوقت الذي جُمّدت فيه البرامج كافة باستثناء السياسية منها. الأنباء الواردة من الكواليس تشير إلى أنّ الوضع سيبقى على ما هو عليه حالياً إلى أن تتضح وجهة الأمور.
وبغض النظر عن أداء مندوبي التلفزيونات في ساحات الاحتجاج، تبرز إلى الواجهة أسئلة بديهية وجوهرية، لعلّ أهمّها: ما هي كلفة الهواء المفتوح، ومن يغطّيها؟
جولة اتصالات على متمرّسين في مجال الإنتاج التلفزيوني في لبنان كفيلة بالإجابة عن السؤال الأوّل، ولو بصورة تقريبية.
الكلام هنا يتعلّق حصراً بالكلفة التقنية للنقل المباشر. يمكن للأمر أن يتم إمّا عبر سيارات الـ Satellite News Gathering أي ما يُعرف بالـ SNG، أو عبر أجهزة Wireless Multiplex Technology (الـ WMT) اللاسلكية المزوِّدة لأنظمة الجيلَيْن الثالث (3G) والرابع (4G) من شبكة الإنترنت المتنقلة.
معدّل مواقع التغطية الميدانية في المحطات الثلاث الرئيسية لا يقل عن 12 مراسلاً لكل منها


على صعيد الـ SNG، عادةً ما تعمل المحطات اللبنانية بأجهزة مملوكة لها بدلاً من اللجوء إلى الإيجار الذي غالباً ما يكون أعلى كلفة (حوالى 1500 دولار أميركي لكل 8 ساعات) لا سيّما مع دخول المؤسسات الأجنبية العاملة هنا على خط الطلب. يبقى على التلفزيون استئجار الحيّز الفضائي على الأقمار الصناعية (Space Segment)، لقاء ثلاثة دولارات للدقيقة الواحدة كحد أدنى. مع العلم أنّه في معظم الأحيان يتم الشراء ليوم كامل، ما يعادل ألف دولار يومياً. ولأنّ معدّل نقاط التغطية الميدانية في المحطات الثلاث الرئيسية لا يقل عن 12، تعمد المؤسسات المرئية كذلك إلى الـ WMT العامل من خلال جهاز (set) مقتناة سابقاً (سعرها بين 15 و20 ألف دولار)، تراوح كلفتها في الساعة بين 30 و40 دولاراً.
باختصار ومن دون الغرق في الأرقام، تفيد المصادر التي تواصلنا معها بأنّ متوسّط كلفة كل SNG يومياً هي 1200 دولار، في مقابل 800 دولار لنظام الـ 4G. أي أنّ الأعباء المالية التقنية على الأرض لـ mtv وlbci و«الجديد» تصل يومياً إلى أكثر من 15 ألف دولار (150 ألف دولار حتى اليوم)، من دون احتساب مصاريف البث الأخرى داخل وخارج الاستديوات.
في وقت يقول إعلامنا المرئي إنّه «مأزوم» مادياً وينفي غرقه في أموال السياسيين والدول ورجال الأعمال من أصحاب الطموحات السياسية، تتجنّد شاشاته لمواكبة الحراك على مدار الساعة، واضعاً جانباً أي مشاريع قد تدرّ عليه بعض الأموال. فهل يفعل ذلك نصرة لـ «المظلومين» وأصحاب القضية؟ والأهم، كيف (أو مَنْ) يغطّي نفقاته؟