كان مُربكاً أن ينسحب المخرج التونسي شوقي الماجري (1961-2019) من المشهد من دون بروفة واحدة، ولا حتى زيارة عيادة طبيب! رحيل رجل حالم مثل الماجري، لا يكفيه خيمة عزاء واحدة. لذا كرّم أصدقاؤه غيابه كما يليق. العزاء في تونس مسقط رأسه، وفي الشام مطرح ما علقت روحه وحفر اسمه وصنع مجده، والتكريم في بيروت قبلته وساعة الصفا التي كان ينشدها. أما مصر، فقد انفردت بمحطة إسدال الستار النهائي!

المُنتجة اللبنانية رولا تلج عناها الخبر أكثر من غيرها، اخترق مكامن ضعفها، فجعلها تنهار لساعات قبل أن تقرر الوقوف لإتمام الوفاء للراحل وهي الشريكة المقرّبة منه، أنجزا معاً «حلاوة الروح» (2014 ـــ كتابة رافي وهبي وإخراج الماجري). رغم خسارات العمل المالية، إلا أنهما ظلّا صديقين. لم تضرّ بالحالة الإنسانية متطلبات المخرج التونسي وبطؤه ومزاجه المتروّي.... تلك مفردات العداء الجذري بالنسبة إلى أي منتج. لكن مع تلج، لم يكن المشروع ربحياً يوماً، لعلّه تبديد أموال مقابل صناعة للفن! هكذا، كان أوّل ما خطر في بال المنتجة اللبنانية عند سماعها الخبر الحزين، توضيب حقيبتها والسفر لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة!
في اتصال مع «الأخبار»، تحار رولا تلج في التعبير عن خسارتها للمخرج المعروف. تكتفي بعبارة «كسر لي قلبي، وقطعة من روحي غادرت». وإن كانت الشام قد ودّعت مخرج «اسمهان» بخيمة عزاء حضرها نجوم سوريون (سلافة معمار، دريد لحام، بسام كوسا، غسان مسعود، فادي صبيح، باسم ياخور، شكران مرتجى، سيف الدين السبيعي، عبير شمس الدين، تولاي هارون، مريم علي، تولين البكري...) تعانقوا بحرارة وتبادلوا جمل الرثاء، ووجهوا رسائل إلى الراحل عبر الإعلام، فبيروت ستكون للفرح! هذا ما تكشفه تلج في حديث معنا عن نيتها مع أصدقاء الماجري إقامة احتفالية صغيرة تقام في 26 تشرين الأول (أكتوبر) تُهدى إلى روحه في «كوانتوم هاوس» (سرسق- الأشرفية) بين السادسة مساءً والتاسعة ليلاً. ترفض تلج القول بأنّ تلك الاحتفالية هي لتقبّل التعازي، بل «هي بمثابة عرس يقيمه أصدقاء الراحل، ورفاق الطفولة الذين كانوا على علاقة وطيدة بشوقي». برنامج الاحتفال سيشتمل على لوحات راقصة وأغنيات يحبّها المخرج لأن «بيروت يحق لها الاحتفال بشوقي». وتضيف تلج: «شوقي لم يكن يحبّ الحزن أبداً، ولا حتى ارتداء الأسود. وكان يعشق بيروت القديمة وشوارعها. لذلك خصّصنا مكاناً للاحتفالية يضجّ برائحة بيروت العتيقة».
برنامج يشتمل على لوحات راقصة وأغنيات أحبّها الراحل


لكن، كلّ عمل خاسر إنتاجياً مآله خلافات كبيرة بين أعضاء فريقه، كيف تعرضتم لهذه الخسارة وبقيتم صديقين إلى هذا الحد؟ تجيب: «كل ما يُبنى على الحب والاحترام، سيحافظ على قالب الحب، وسيسلك طريقاً محترماً مهما كانت النتائج. وبالعكس قبل أن نتعرض لمؤامرة تهدف لضرب المشروع وعدم تسويقه كونه يفضح «داعش»، كنا نعتبر بأننا أهل لهذا المشروع، ولا يمكن لعائلة أن تحقد على ابنها مهما كان سلوكه. كانت مغامرة سبقت الموضة المعاصرة. تجربة واحدة صنعت مني منتجةً، وارتبط اسمي باسم مخرج كبير أسهم في صوغ قوتي، من خلال عمل جبّار بسويّة عالية جداً، كل ما طلبه أنجزته، وآخر ما قاله لي في اتصال قبل رحيله بأيام بأن أقرب عمل إلى قلبه هو «حلاوة الروح» كأنه كان على علم بأنه الوداع. الآن أستعد الدخول إلى هوليوود بفيلم يتم التحضير له حالياً هو صاحب الفضل الكبير فيه».

* السبت 26 تشرين الاول ـ «كوانتوم هاوس» (سرسق- الأشرفية) بين الساعة السادسة والتاسعة ليلاً