يوم السبت الماضي، أطلق كبار مستشاري البيت الأبيض وصهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير، من منبر «رويترز» صفارة الانطلاق ببدء تنفيذ ما اصطلح على تسميته «صفقة القرن». وقتَها كشف كوشنير عن استثمارات مالية في الأراضي الفلسطينية، والبلدان المجاورة (مصر ولبنان والأردن)، تصل إلى 50 مليار دولار... لنصل بعدها إلى «ورشة المنامة» أو «ورشة السلام من أجل الازدهار» التي انتهت أعمالها أمس على مدى يومين متتاليين، بحضور وتمثيل عربي وخليجي ودولي. أول من أمس، وقف كوشنير، محاضراً، متوسّطاً الشخصيات التمثيلية في العاصمة البحرينية، وخاطب الشعب الفلسطيني، الغائب الأكبر عن المؤتمر، مدّعياً حرصه على «حقوقه» وسط، توغل إعلامي صهيوني، يحدث للمرة الأولى في المنامة. إذ دُعيت وسائل إعلام عبرية ــ مكتوبة ومتلفزة ـ لتغطية أعمال المؤتمر. وقد توزّعت على وسائل التواصل الاجتماعي، لنقلِ انطباعاتها عن زيارتها الأولى للعاصمة البحرينية، ولاستفزاز الجمهور المستنفر في الأصل على هذه المنصات، وهو يرفض بشكل قاطع بيع فلسطين.
محمد سباعنة ـ فلسطين

هذه المشهدية، عُمل على تظهيرها في الإعلام العربي - الخليجي، وقد تفاوتت بشكل ضئيل مستويات ترويجه لـ «صفقة القرن» التي عاد مهندسها وأطلق عليها تسمية «فرصة القرن»، كي يُصار إلى انتقال هذا المصطح إلى التداول، ويُعمل على تظهير صفقة «العار» على أنها مجدية، ومفيدة للشعب الفلسطيني، وتشكّل له «فرصة حقيقية للسلام»، وللعيش برغد. وكانت «الجزيرة» قد تفرّدت بحديث خاص مع كوشنير من واشنطن قبل سفره إلى البحرين. هذا اللقاء يمكن أن يذهب توظيفه لاستقطاب شريحة عربية واسعة، كما قال كوشنير في المقابلة لدى سؤاله عن انطباعه، وهو في حديث متلفز على الشاشة القطرية. في المقابلة، التي نفّذت بالعربية (دبلجة)، أكد صهر الرئيس الأميركي أن «إسرائيل ليست أصل المشاكل في المنطقة»، وأن «المشكلة تكمن في انعدام الفرص»! وقال إن «إسرائيل دولة ذات سيادة، لها الحقّ في أن تحدد عاصمتها».
«الجزيرة» التي ذهبت في تغطيتها للحدث، لتركّز أكثر على الغضب الشعبي العارم في عدد من البلدان العربية الرافضة للصفقة، لم تنسَ أيضاً التركيز على العنصر السعودي، الذي سجل في «مؤتمر المنامة» أعلى مستوى تمثيلي بعد البلد المضيف، والولايات المتحدة الأميركية الراعية له. هكذا، سخّفت الشبكة القطرية من عنوان المؤتمر، ووصفته بـ «الشعار البراق»، وركّزت على العامل الفلسطيني الغائب عن المؤتمر، وعلى «الحضور العربي الباهت» الذي أتى على «مضض» وفق تقرير لها. علماً أن قطر حضرت القمة عبر ممثلها وزير المالية علي شريف العمادي. مع ذلك، كان الاعتراض سمة واضحة في تغطيتها للمؤتمر، وحتى ذهابها في الاستشهاد بالصحافة الإسرائيلية، وتحديداً «هآرتس» التي وصفت المؤتمر بأنه «أكبر لقاء تطبيعي» مع «إسرائيل». بعد تفرّد «الجزيرة» كشبكة عربية خليجية بلقاء كوشنير، ظهر الأخير أمس مجدداً على شاشة «العربية». وبدا الحشد واضحاً لتصريحاته عبر القناة السعودية. طمأننا كوشنير إلى أن «ردود الفعل» حول المؤتمر كانت «إيجابية»، وشدّد على أهمية «تحسين الحياة المالية للفلسطينيين»، ومنحهم «وضعاً أمنياً مستقرّاً» بعد تلقيهم الأموال.
ترويج ببغائيّ لتصريحات كوشنير بأنّ الورشة تحمل الازدهار للفلسطينيين


تصريحات أعادت «العربية» عرضها مراراً في ترويج واضح للصفقة. وقبل ذلك، كانت صحيفة «الشرق الأوسط» من بين وسائل إعلام محدودة حظيت بلقاء سريع مع كوشنير عشية المؤتمر المذكور، ونشرته الصحيفة السعودية صبيحة يوم الثلاثاء، وظهّرته بشكل واضح على صفحتها الداخلية. وأمس، عنونت الصحيفة المذكورة تقريرها عن المؤتمر، بتبنّي المصطلح الذي أطلقه كوشنير «فرصة القرن»، وركزت في العنوان على تأمين الصفقة «مستقبلاً أفضل للفلسطينيين». إماراتياً، لم تختلف تغطية «سكاي نيوز عربية» عن الأجواء التي رافقت أعمال المؤتمر وما قبله. فقد استبدلت القناة تسمية «صفقة القرن» بمصطلح «خطة السلام الأميركية»، وتصدرت تقاريرها عبارات ساقها مهندس الصفقة في خطابه في «المنامة». إذ باتت مقاطع منها، تشكل مفاتيح أساسية في التغطية، كالحديث عن «ازدهار فلسطيني»، وتكرار كلام كوشنير بأنه «لن يتخلى عن الفلسطينيين»، وتعهده بـ «بتحقيق مستقبل أفضل» لهم!