لم يحظَ رجل دين في سوريا بالشهرة التي وصل إليها الشيخ فتحي صافي على مواقع التواصل الاجتماعي. هكذا كسر ابن مدينة دمشق الصورة النمطية لـ «مهنة» رجل الدين، ودخل إلى قلوب السوريين عبر هواتفهم المحمولة. الشيخ المعتدل وجد قبولاً لدى جميع الطوائف والمذاهب والأديان، وقدم نفسه بلهجة دمشقية بسيطة روى من خلالها قصصاً واقعية، وتصدى للخرافات بأسلوب عفوي بعيد عن التعصّب.احتل الإمام الشامي قائمة «التراندينغ» على السوشال ميديا، وتصدرت فيديوهاته مجموعات «واتساب» وموقع «يوتيوب»، بعناوين طريفة وجذابة، وذاع صيته في سوريا، وحتى بين المهاجرين في شتى أنحاء العالم.
لم يخجل الرجل بماضيه، يقول إنه كان أكثر الناس شراً، ويتكلم عن قصة «توبته» بصراحة لا تخلُ من حس الفكاهة، فكانت القصة مصدر إلهام لآلاف الشباب.
من يدخل الصفحات السورية على فايسبوك منذ الأمس، يعرف المكانة التي كان يحتلها «صاحب الابتسامة الدائمة» في وجدان السوريين.
لم تكد وزارة الأوقاف السورية تنعي وفاة الشيخ الستيني بعد معاناة مع مرض السرطان، حتى هرع ملايين السوريين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنعي الشيخ بعبارات حزينة، وأحدث الخبر صدمة شعبية تنبئ بالفراغ الذي سيتركه الشيخ «خفيف الظل».
وحتى كتابة هذه السطور، فإن نحو ربع مليون شخص يشاهدون البث المباشر على فايسبوك لمراسم تشييع ودفن الشيخ فتحي صافي، فيما لم يرد حتى الآن رقم دقيق حول عدد الأشخاص الذين خرجوا للسير بجنازته التي أقيمت اليوم بعد صلاة الجمعة في قلب دمشق، إلا أن الأرقام تقدر حتى الآن بالآلاف.
وكعادتها اجتزأت وسائل إعلام سورية معارضة كلاماً للشيخ صافي، للتشكيك بمكانته الدينية وموقفه من الأحداث السورية، حيث قال في مقطع فيديو إن له أقارب يقاتلون في صفوف الجيش السوري، وأنه شتم «الحرية» التي طالبت بها «الثورة السورية».
بقي الشيخ صافي في سوريا وعاش معاناة الشعب، فقد معظم أملاكه وأفراداً من عائلته، وعندما انتشرت ظاهرة «التعفيش» أثناء الحرب، أفتى بحرمة شراء المسروقات، وعلى العكس من زملاء له في الخطابة، عارض الخطاب الرسمي، وقال من على المنبر بكل وضوح «نحن لسنا بخير».
ظاهرة فريدة صنعها الشيخ فتحي صافي، ترك بطرافته أثراً في وجدان الملايين، لجؤوا إليه هرباً من «غلظة» وتشدد رجال الدين، قالوا له: نحن لا نحب المشايخ ولكن أحببناك، فقال لهم: أنا لا أحب المشايخ أيضاً!.