في العام 2008، أطلق نائب رئيس الحكومة السورية عبدالله الدردري خطته الاقتصادية الشهيرة لرفع الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين «تدريجاً» عن المحروقات والسلع الأساسية، واعترف الدردري آنذاك بأن الموازنة كانت تعاني عجزاً هو الأكبر في تاريخ سوريا. ورغم اندلاع الحرب المدمّرة في العام 2011، و«رحيل» الدردري إلى البنك الدولي، لم تتوقف خطة الحكومة السورية في «عقلنة الدعم»، الذي وصل مع «البطاقة الذكية» إلى حدّ التلاشي! هكذا كان يبدأ السوريون الأسبوع بـ «إشاعة» عن رفع الأسعار، وفي منتصف الأسبوع تنفي الحكومة الخبر «جملة وتفصيلاً»، ويفاجأ المواطنون في عطلة نهاية الأسبوع برفع الأسعار بموجب «قرار رسمي»!ومن هذا المنطلق، كان من الطبيعي أن يتنبأ السوريون أمس بنهاية أسبوع «غير سعيدة»، نتيجة الخبر الذي نشره موقع «هاشتاغ» السوري، بعنوان: «قرار مرتقب برفع سعر البنزين بمقدار الضعف». الخبر الذي وصفه خبراء اقتصاد بـ «غير المنطقي»، كان كفيلاً بتفجير «أزمة» في محطات الوقود، وأربك وزارة النفط السورية التي استنفرت كل إمكانياتها لتكذيب الخبر.
وفي بيان غريب اللهجة على فايسبوك، استخدمت فيه وزارة سورية للمرة الأولى مصطلح «مافيات»، وأكدت أن هذه الأخبار «كاذبة» لإحداث إرباك في الشارع السوري، واتهمت الموقع بافتعال أزمات خدمة لمصالح «مافيات» باتت مكشوفه أمام الرأي العام، ولم تقدم الوزارة تفاصيل إضافية.
ووضعت الوزارة لاحقاً منشوراً آخر أثار «ريبة» المواطنين جاء فيه أنه كإجراء «إحترازي» بسبب الإزدحام على محطات الوقود تم التوجيه ولفترة محدودة بتعديل الكمية اليومية المسموح تعبئتها للسيارات من 40 لتراً يومياً لتصبح 20 لتراً.
مصادر في الوزارة أكدت أنها حركت دعوى قضائية ضد موقع «هاشتاغ»، على اعتبار ما نشره يدخل في إطار «الجريمة الالكترونية».
إدارة الموقع ردت على الاتهامات وأكدت أن الخبر صحيح، وأن الحكومة تتجه لتقليص كمية الدعم الذي تقدمه للبنزين بمقدار النصف، حيث سيرتفع سعر صفيحة البنزين من 4500 إلى 9000 آلاف ليرة سورية. وقالت إدارة الموقع إن «اختزال» الموضوع بهذا الشكل وإلصاق التهم هو أمر مجافي للحقيقة وللمنطق ولا يقنع حتى الأطفال، فكيف برأي عام بات يعرف الصغيرة والكبيرة؟. وكشف الموقع أنه منذ نشر الخبر، توالت الاتصالات من وزارة النفط في محاولة لسحب الخبر وهددت برفع دعوى.
وفيما أشارت الوزارة إلى أن نشر الخبر تسبب بإغلاق محطات الوقود، أكد الموقع أن المحطات كانت مغلقة قبل نشر الخبر بساعات، لجرد كميات البنزين تمهيداً لبدء البيع وفق السعر الجديد. وختم الموقع بالقول لم يبق سوى اتهامنا بـ «وهن نفسية الأمة»، مشدداً على أن «عقلية التخوين والتهديد لا تجدي نفعاً كوسيلة للتعامل مع الصحافة الوطنية».
وعلى الأثر نشرت صفحة وزارة النفط مقطع فيديو يظهر فيه الوزير علي غانم، أثناء قيامه بجولات تفقدية «عفوية» على محطات الوقود في دمشق، وحذر خلالها المواطنين من الانجرار خلف الشائعات.
تتباهى الحكومة السورية بـ «الدعم» الذي تقدمه لمواطنيها، على اعتباره ميزة سورية «فريدة» غير موجودة في البلدان الأخرى، ولكن الدكتورة في الاقتصاد نسرين زريق تقول إنّ أعتى الدول «الرأسمالية»، لم تتوقّف عن توفير دعم مواطنيها، بمعاشات البطالة وقسائم التغذية.
بداية العام الجاري أطلق رئيس مجلس الشعب السوري عبارته الشهيرة «مشتقات التواصل الاجتماعي»، حينها دعا للحذر من الحملات الإلكترونية التي يديرها أشخاص مشبوهون من الخارج ضد الحكومة، لإحداث بلبلة في صفوف الرأي العام السوري.
واليوم أعاد البعض التذكير بكلامه على سبيل السخرية، لأن الحكومة أصبحت تواجه أزمة في «مشتقات التواصل» الاجتماعي، وأزمة في «المشتقات النفطية»!