كان عمر ابنها آرام 40 يوماً عندّما حطّت مروحية تقّلها إلى المساحة الضيقة المتبقية تحت سيطرة الدولة السورية في دير الزور! بعدها، بثلاثة شهور ستكون وجهة الإعلامية أوغاريت دندش إلى «عقارب» في ريف السلمية الشرقي التابع لمحافظة «حماة». هناك ستلتقي امرأة اختطفت مع ابنها الرضيع على يد «داعش»! ولا نعرف إن كان القدر قد هيأ لتلك المرأة فرصة النجاة أم أنه أجهز عليها بعقوبة البقاء على قيد الحياة عندما نجت ومات رضيعها. الحادثة تركت أثرها البليغ في حياة إعلامية «الميادين» بسبب مصادفة تقارب عمر الطفل الشهيد مع ابنها. مقدِّمة برنامج «من الأرض» أمّ عازبة لطفل وحيد وقد ورّطتها الحرب السورية في مواقف تحرث الوجدان! كأن تزور سيدة مسنة خمس مرّات متتالية لتقدّم لها في كلّ مرة واجب العزاء بأحد أبنائها الخمسة الذين استشهدوا تباعاً! حديثنا مع دندش كان يفترض أن يكون تمهيداً لتحقيق نجول فيه على أمهات عازبات من نجمات الشاشة نسجّل شهاداتهن في عيد الأم لمن يتشابهن معهن في المصير، فإذا بنا نلتفت لحجم الألم الذي قد يخيّم على الشام في مثل هذا اليوم. مئات آلاف النساء السوريات أجبرن أن يكن أمهات عازبات وهن في مقتبل العمر بعدما خطفت الحرب أزواجهن! عن تجربتها في تربية طفلها وحيدةً، تقول الإعلامية اللبنانية لنا: «خلافاً لما يمليه المنطق بأن أتمسّك بحياتي بعدما أصبح أماً، فقد قررت أن أذهب أبعد ما يمكن في المجازفة وشق غبار ميدان الحرب، لأنني صرت أفكرّ بأن عليّ أن أحمي مستقبل ابني كي لا يخوض حرباً مشابهة بعد 20 عاماً كما يحدث مع أطفال هؤلاء الناس الذين سيّجت الحرائق يومياتهم بينما كنت أحاول تفكيك بعضاً من ألغام معاناتهم على الملأ وأوثق لما يرتكب بحقّهم من مجازر.

لهذا ربما سمعت اتهامات بأنني لا أفكرّ بمستقبل ابني، أو أنني لست أماً حقيقية. فعلياً كنت أخاطر بنفسي لقناعتي بأنني أدافع عن مستقبل ابني». من جانبها، تحتمل تجربة زميلتها مديرة مكتب «الميادين» في دمشق ديمة ناصيف مساحات شاسعة من الترصّد، بخاصة أنها أم عازبة تعيش أصلاً من أجل وحيدها. كانت قد أمضت سنواتها الثماني الأخيرة متنقلة بين جبهة وأخرى. تختصر هواجسها في حديثها مع «الأخبار» بالقول: «ليس سهلاً أن تخوض إحدانا تجربة الأم العازبة، ولم يكن سهلاً بالنسبة لي، ربما لم أنتبه لصعوبة المهمة إلا حين انخرطت في الصحافة بشكل متطرف. مهنة المتاعب أخذتني فوق همومها المضنية الى جبهات القتال، وخطر الموت المتلّطي وراء زواريب الحرب وسواترها. كان هناك مونولوج يومي معلن وصامت بيني وبين ابني يقول: «ماذا سيحدث لي لو أنك مُّت! إن لم تخافي على نفسكِ، ألا تخافين عليّ؟. لكن شغف المهنة يجعلك بعيداً عن الحكمة والتقدير الصحيح» تشرح ناصيف وتضيف: «بالعودة الى الأمومة العازبة، كان لها أيضاً مع صعوبتها وجه لا تعرفه إلا الأم العازبة، ذاك المزيج الجميل والمتناغم في علاقة تغلب فيها الصداقة والرفقة والتساوي والقرار المشترك على التفرد، والسلطة التي يفضلها الآباء والأمهات عادة».
أما بعيداً عن ساحات المعارك والقتال وإن لم يكن بمسافات شاسعة، ستقف نجمات الدراما السورية على خط واحد مع مراسلات الحرب. عدد كبير منهن شاءت ظروفهن أن يكن أمهات عازبات يصلن نهارهن بالليل كي ينجزن مهمة شاقة في تربية مولود يكبر ليحصد الإنجازات على الاقل بالنسبة لأمه. للمصادفة، فإن أشهر النجمات وأكثرهن حضوراً وموهبة في سوريا هن أمهات عازبات بدءاً من أمل عرفة وصولاً إلى كاريس بشار وسلافة معمار وصفاء سلطان ورنا شمّيس... في حديثها مع «الأخبار»، تقول أمل عرفة عن هذه التجربة: «كلّ عمرنا نسمع بأن الدنيا أم، ربما لم يخطر في بال أحدنا السؤال لماذا لم تكن المقولة الدنيا أب؟ عن نفسي، تساءلت ولم ألق جواباً رغم أنّ علاقتي بوالدي كانت استثنائية. الدنيا أم، يقال عنها هي الدنيا بمعنى أنها أنثى وضع الله فيها سرّ الخلق. علاقتي بابنتيّ تتعمّق وتقوى بشكل يومي فوق الحد الطبيعي كأننا ثلاث صديقات نعيش معاً ونمارس طقوس الحياة مع بعضنا. عندما ألاحظ شططاً منهما، أرجع أماً حازمة!». وتضيف عرفة: «ربما لا يفهم بعضهم تفصيلاً صغيراً له علاقة بأنني وهبت حياتي كاملة لابنتي، لأنني أنجبتهما إلى هذا العالم البائس، وعليّ أن أحميهما. وبالنسبة لضيق الوقت نتيجة تفاصيل عملنا، تعرف أنني لا أغادر بيتي إلا للشديد القوي! أحياناً يزعجني ذلك، لكن هذه إحدى فواتير تدفعها الأم العازبة نتيجة المسؤولية الأعلى. باختصار، على كل أم عازبة في بلادنا أن تنسى نفسها، ربما أتذكّر حالي في لحظات خاطفة خلال عملي. وقد وصلت إلى مكان أستمتع فيه بملاحظات ابنتي. مرّة في التصوير أرسلت لي سلمى ابنة الـ12 عاماً رسالة صوتية تقول فيها بصوت ثابت: ماما أنت قوية، وصادقة، وموهبتك ساطعة، لذلك ثقي بنفسك لأنك ستخطفين النجاح! كانت تحاول بكل براءة رفع معنوياتي، فإذا بها تمنحني أعظم استحقاق في حياتي». من ناحيتها تنصدم النجمة كاريس بشّار بالفكرة. هي أيضاً أم عازبة لطفلها الوحيد الذي تضبط كل مفردات حياتها على إيقاعه. تقول: «الفكرة تلامسني بشكل عميق لن أتركها تمر في حديث مختصر وسريع، دعني ألتقي بكم لنجري حواراً مطوّلاً حول هذا الموضوع تحديداً».
في السياق ذاته، من يعرف النجمة صفاء سلطان يدرك منطقها الناصع في التعاطي مع أمومتها وتفاصيلها الشخصية خلال مشوار طويل. هي أم عازبة لفتاة وحيدة اسمها «إملي» وقد بلغت عمر الصبا في كنف ممثلة مجتهدة وموهوبة تعمل بشكل متواصل لكي لا تصنع لها بهجتها فحسب بل أيضاً لتعيل أسرة كاملة تنتمي لها بحماس متطرّف. ترد سلطان على أسئلتنا خلال مشوارها من بيروت إلى دمشق بعدما أنهت تصوير لقائها في برنامج يسجّل حلقاته النجم باسم ياخور صالح قناة «لنا». تحكي اوّلاً عن خصوصية مجتمعاتنا تحديداً عندما يكون المولود أنثى وأمّه عازبة إما بسبب الطلاق أو وفاة الأب. تقول: «يزيد الحرص ويتطلّب الأمر تركيزاً عالياً بشكل دائم، خاصة إذا كانت الأم تعمل سواء في التمثيل أو أي مهنة تطلب غياباً طويلاً، لا بد من تعويض هذا الغياب في ساعات أطول مع ابنتها، والابتعاد عن طقوس الحياة العامة كي تمضي الأم أطول وقت مع ابنتها. للأمانة هي مسألة معقدة، لذا دعني في هذا اليوم أطبع قبلة على جبين كلّ أم، بخاصة الأمهات العازبات وهن يحرمن أنفسهن أدنى المتع الحياتية العابرة لينسجن مستقبل أبنائهن، ولو على حساب أرواحهن. أعتى فرحة شعرت فيها عندما دخلت ابنتي الجامعة كأنها كانت تسد لي كل لحظة تعب. نحن ممزوجون بالعاطفة، ولعلها فلسفة تكوين الإنسان حتى يجهد الابن لتحقيق النجاح ويهبه لأمه خاصة إذا ربّته وحيدة على أن يكون ذلك اعترافاً ضمنياً بتحقيق حلم وعدم خيبة الأمل». وتضيف سلطان: «ابنتي ليست متطلبة لكنّها لم تحصل يوماً على ما تريد بسهولة كي تفهم صعوبة الحياة، تحتاج دائماً إلى إنجاز حتى تحصل على أي استحقاق! كنت الأم والأب والحماية المطلقة، وجرّبت صقل شخصيتها كي لا تسكت عن الخطأ عندما تكون على حق لكن بأدب وتهذيب... كل أم عزباء قدّمت وأعطت وربّت طفلاً صالحاً ترفع لها القبعة، لأنها كانت كل شيء في حياته واضطرت أن تكون رجلاً وامرأة في آن وأن تلعب عشرات الشخصيات لتنجو من مطب الفشل في أعظم مهمة مرمية على عاتق البشر وهي تربية الأطفال». لا تنسى نجمة «دومينو» أن تتذكر كلّ من فقد أمّه وتتمنى لقلبه الصبر بعدما غابت عن عالمه أهم ما منحته له الحياة!
أما النجمة رنا شميّس، فقد انهمكت أخيراً في تصوير دور «ربى ناصر» في مسلسل «دقيقة صمت» (سامر رضوان وشوقي الماجري). مع ذلك تقتنص بضع دقائق وهي على كرسّي الماكياج لتقول لنا: «الأم بشكل خاص ربما نتيجة تقاليد ومعطيات مجتمعنا، تشعر بالتقصير الدائم، كلّما قدمت تتملكها رغبة بمزيد من العطاء، ولو كان هناك رجل يقاسمها هموم الحياة، فما بالك إن كانت وحيدة في وجه مهمة مضنية جداً. وعندما تكون الأم بحاجة إلى عمل متواصل، يصبح الأمر أكثر صعوبة». وتكمل شميّس وهي أم عازبة لطفل وحيد: «خصوصية مهنتنا تتطلّب تواجدنا لوقت مفتوح خارج البيت. نحتاج المال لنستمر، والحضور لتعزيز الشخصية، حتى يشعر المرء بأنه يترك بصمة تعنيه، وفي الوقت ذاته وبشكل ذاتي، فإنني أعمل على عدم المبالغة في توفير احتياجات ابني، ألبّي له أساسياته ولو كنت أتمّكن من المزيد، فإنني أتوقف لأنني لا أعرف الدنيا إلى أين ستأخذني أو تأخذه. نحن نعمل في مهنة غير مستقرة، ولا يوجد لها مستقبل واضح في بلادنا، في أي لحظة قد يجبرك حادث ما على التوقف. كما أن الحياة دائماً غير آمنة، والإنسان معرض للموت في أي لحظة. عدا عن ذلك ربما أحتاج لوقوف ابني بجانبي يوماً ما، رغم أنني لا أتمنى أن أكون بحاجة أحد، ولو كان ابني، لكن عليّ تأسيسه بشكل صحيح ليكون في المكان الصحيح عندما تكمل الحياة دورتها ونصبح في مكان آخر».