«الصعوبات التي تواجه المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد الإنجاب»، موضوع احتلّ فقرة «صعبة كتير؟» على شاشة «المستقبل» منذ أكثر من سنة تقريباً. فقرة يقدّمها الأكاديمي غسان حنا منذ أربع سنوات ضمن برنامج «عالم الصباح» (كل اثنين). أثارت الفقرة الاستغراب في البداية، كونها نسفت القوالب الاجتماعية والتهميش الإنساني الذي يحاصر ذوي الاحتياجات الخاصة. فحالة المرأة المقعدة بعد الإنجاب، تولّد تساؤلات حول ما اعتدنا عليه في عقولنا الباطنية، والأحكام المبرمة بحق هذه الفئة: كيف لهذه المرأة أن تصل إلى مرحلة الإنجاب؟ وهل «يحق» لها الزواج والإنجاب أصلاً؟ وهل تستطيع الولادة؟... سلسلة أحكام اجتماعية وإنسانية قاسية، نطلقها على ذوي الاحتياجات الخاصة بفوقية معلَنة، تمنعنا بالفعل من التعاطي معهم كأناس عاديين مثلنا، ويفترض أن يتمتعوا بحقوق متساوية. قضية أصحاب هذه الشريحة ومعضلاتها في القانون والمجتمع ومع المحيط وفي الإعلام، لا تزال شائكة، فيما الطريق إلى تشكّل وعي اجتماعي لا يزال طويلاً. صحيح أنّ تغييرات بسيطة طرأت أخيراً على صعيد إظهار أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة فئة فعّالة في المجتمع، غير أنّ المشهد العام لا يزال قاتماً، لا سيما مع تغييب الإعلامي اللبناني. في جولة بسيطة على البرامج والفقرات المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة في الميديا المحلية، ندرك أنّ وحدها «المنار» تخصصهم ببرنامج اسمه «حكاية أمل»، بالإضافة إلى فقرة يتيمة على «المستقبل» يعدّها ويقدّمها الأستاذ المحاضر في «جامعة الحكمة» غسان حنا.



ما عدا ذلك، يتلخّص الوضع الإعلامي حالياً باستضافة ذوي الاحتياجات في مناسبات معينة، أو لاستدرار شفقة معينة، أو حتى لـ «استخدامهم» بغية شحذ التبرّعات المالية. يكرّس هذا الأسلوب مزيداً من التمييز بحق هؤلاء، بينما يبقى الشقان التوعوي والإنساني غائبين تماماً.
قبل عامين، غامرت الشابة الطموحة الكفيفة، داليا فريفر، وخاضت تجربة أطول بث تلفزيوني أدلتها موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. ظهرت داليا على «تلفزيون لبنان» على مدار 24 ساعة تقريباً، استضافت خلالها أكثر من 70 شخصية. على نحو مشابه، ظهر غسان حنّا على الشاشة الزرقاء ضمن فقرة «صعبة كتير؟» الأسبوعية. يطرح الرجل الذي فقد بصره بسبب أخطاء طبية قضايا ومواضيع تخص ذوي الاحتياجات الخاصة، يستضيف نماذج كانت لها إنجازات حتى على صعيد عالمي. نضال لا يزال حنا مصرّاً على خوضه، وهو الحامل لعشر شهادات جامعية، بين إجازتين وست دراسات عليا، تتنوّع بين العلوم السياسية، والعلاقات الدولية، وعلوم اللاهوت والفلسفة، بالإضافة إلى تأليفه ستة كتب. جهد مضنٍ يهدف إلى رفع الوعي لدى الناس أملاً بالتغيير. لكن كيف انتقل حنّا من الأكاديميا إلى الشاشة الصغيرة؟ ربّما تعدّ النقلة طبيعية، كون غسّان ناشطاً ومحاضراً جامعياً على تماس واحتكاك دائمَيْن مع الناس. هكذا، بدأ رحلته على التلفزيون كصاحب حاجة جسدية يستطيع التحدث ونقل صوت من يشبهونه.
يتحضّر «حكاية أمل» لتخصيص المصابين بـ «متلازمة داون» بمساحة وافرة

هذا ما يقوله في اتصال مع «الأخبار». فرغم المواضيع المتداوَلة في الإعلام والتي باتت مكرورة، هناك حاجة إلى تفعيل وتطبيق القوانين وتغيير ذهنية المجتمع. ويمكن أن نجزم بأنّ «صعبة كتير؟» خاضت نقاشات وحرّكت تساؤلات وأفكاراً لدى المتلقي لم تكن لتخطر في باله، نظراً لبعد الشخص المعوّق عنه، لا بل أحياناً يضحي كائناً غير مرئي. قصة المرأة المقعدة التي وضعت مولودها حديثاً والسبل المجدية للمحافظة على سلامتها وكيفية الاعتناء برضيعها، تضاف إلى مسائل أخرى كثيرة، كسؤال المارة في الشارع حول كيف يتصوّرون حيواتهم إذا ما أفقدهم حادث بصرهم؟ سؤال أذهل المستصرحين الذين فضّل بعضهم التهرّب من الإجابة. فضلاً عن التطرّق مثلاً إلى اختصاصات أصحاب الاحتياجات الخاصة، وقانون العمل، وتحقيق الذات... «قضيتيّ تأمين الفرص لهذه الفئة. فللعمل أهمية كبرى في النمو والتطور، إلى جانب ضرورة التفات الدولة إلى حقوق هؤلاء، ومقارعة تهميشهم. يعاملون كغيرهم على صعيد الواجبات، من دون أن يحصلوا على أبسط حقوقهم».
بالانتقال إلى «حكاية أمل» (فكرة، وإنتاج، وإشراف على الإعداد: رشا المذبوح ــ إخراج عبد الكريم خشّاب) على «المنار»، يكاد البرنامج يكون الوحيد من نوعه على الشاشات اللبنانية. حكايات لأبطال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ممن نجحوا في تحدّي الصعوبات الجسدية. لا مكان هنا «للشفقة»، تؤكد رشا المذبوح. إنّها مساحة لكل ذوي الاحتياجات الخاصة على «مساحة الوطن» لتظهير حيواتهم اليومية ونجاحاتهم في الميادين المختلفة بجدارة عالية. إنّها أيضاً شهادة حياة يقدّمها «حكاية أمل» (40 د ــ يُعرض كل ثلاثاء، على أن يصبح شهرياً بدءاً من آذار/ مارس المقبل) من خلال نماذج تصنع الدهشة. البرنامج الذي استغرق التحضير له عاماً كاملاً، يصوّر على طريقة «تلفزيون الواقع»، ويتابع الحالة وتنقلاتها في منزلها، وعملها، وجامعتها... لا يختص «حكاية أمل» بالإضاءة على حالات بعينها بل يتوخّى التنويع، ويتحضّر اليوم لتخصيص المصابين بـ «متلازمة داون» بمساحة وافرة تترافق مع «شرح علمي لهذه الحالات وكيفية التعاطي معها، مع إظهار إمكانيات هؤلاء، وإبداعاتهم لا سيما الفنية، وقدراتهم على التعلّم واكتساب المهارات»، على حد تعبير المذبوح.



شهادات كثيرة تعاقبت على «حكاية أمل»، وأدهشت متابعها، كقصة حسن وهبي، الرجل الذي يعاني من شلل رباعي، ولا يستطيع سوى تحريك رأسه. إنّه اليوم متزوج ولديه أطفال يتابعهم بشكل حثيث في المدرسة والحركة، وأضحى مرجعاً لأفراد عائلته والمحيطين به، بفضل ثقافته الواسعة التي اكتسبها جراء قراءاته لمئات الكتب على مدى تسع سنوات، بمساعدة أهله. أو كقصة زهراء التي تعاني من الصمم، وباتت اليوم تشارك في مسابقات عالمية، وتدير فرقاً في المسرح الإيمائي. أو طبيب القلب محمد اسماعيل الذي يمارس مهنته في صيدا، ويجري العمليات الجراحية على كرسيه النقال، ويفتح في عطلة الأسبوع منزله الجنوبي للمعاينات المجانية.
بحماسة عالية، تتحدث المذبوح عن حالات عايشتها، وتصرّ على ذكرها بالأسماء منعاً لبقائها طي النسيان. «عم نشفق ع حالنا»، خلاصة تخرج بها رشا بعد استعراض ومعاينة كمّ الإنجازات وحجم الإرادة لدى هؤلاء الذين يقدّمون دروساً في الحياة والصمود وقهر الإعاقة وتحويلها إلى طاقة.

* فقرة «صعبة كتير؟»: كل اثنين ضمن برنامج «عالم الصباح»
* «حكاية أمل»: كل ثلاثاء ــ الساعة السادسة مساءً على «المنار»



طارق سويد... تجربة نموذجية
مغامرة تلفزيونية قصيرة خاضها الممثل والكاتب اللبناني طارق سويد قبيل شهرين. ثلاث حلقات من برنامج «مطرحك» (in your shoes)، صوّرت مع نجوم التلفزيون والدراما اللبنانية، وعُرضت على lbci. اختبار خاضه كل من ماغي بو غصن وطوني بارود ونهلة داوود، مع أصحاب احتياجات خاصة. لكن هذه المرة، ابتعد المشاهير عن الـ«بريستيج» وعاشوا التجربة، كاسرين صورهم الحالمة في أذهان البعض بأنهم لا يمرضون ولا يعانون ولا يبكون. هنا، كانت الكاميرا «فجّة» في واقعيتها. رأينا بو غصن شبه منهارة من الحلول مكان «ريتا» التي تعاني من مشكلة في المفاصل والأطراف. وتابعنا بارود يتولى مهمات مختلفة بالتعاون مع جمعية mission de vie، وداوود تختبر أن تكون امرأة ضريرة تطهو وتعتني بأولادها، وتضع الماكياج أيضاً. رسالة إنسانية في أجواء ميلادية قدّمها سويد الذي كشف في «الجنيريك» عن أنه نشأ في ميتم، وارتأى اليوم تحويل «وجعه إلى رسالة إنسانية».