خلال سنوات الحرب، كان الموت عبارة عن احتمال مفتوح ممتدّ على كافة الأراضي السورية. الغالبية تعرف بأن فندق الـ «فورسيزنز» الواقع في قلب العاصمة مثلاً، كان من أكثر المناطق أمناً حتى في أحلك الظروف. لغاية اليوم، تشدّد الإجراءات الأمنية على بابه، بخاصة أنّ مساحات منه تحولت إلى ما يشبه مكاتب يشغلها موظفو البعثات الدبلوماسية، ومراسلو المنظمات الإنسانية والحقوقية. لذا، فإن الطريق داخل هذا الفندق إلى القاعة المخصصة لمؤتمر مسلسل «مسافة أمان» (كتابة إيمان السعيد ـ إخراج الليث حجو ـ إنتاج «إيمار الشام» ـ بطولة: كاريس بشار، سلافة معمار، قيس الشيخ نجيب، حسين عبّاس، كرم الشعراني، سوسن أبو عفّار...) يبدو كمشهد هارب من فيلم أو نشرة أخبار!المعلومة الأولى التي سنعثر عليها قبل بدء المؤتمر أن النجم السوري عابد فهد اعتذر عن عدم أداء البطولة بسبب صعوبة التنسيق مع تصوير مسلسله «دقيقة صمت» (سامر رضوان وشوقي الماجري). ولم يتم اختيار بديل له حتى الآن، فيما غابت معمار عن المؤتمر بسبب ارتباطها بتصوير «حرملك» (سليمان عبد العزيز وتامر اسحق). البطاقة التعريفية للعمل الذي سيعرض في رمضان، تفيد بأن الحكاية تبحث في ارتدادات الحرب السورية والحالة الاجتماعية والنفسية، وشكل العلاقات العاطفية بعد انتهاء الحرب، مع ملاحقة تشويقية لمصائر شخوص الحكاية أثناء انهماكهم في اقتناص مسافات أمان خاصة بكل منهم، والبحث عن الحب والفرح، أو السير العبثي نحو المستقبل المجهول.
في هدوء ما بعد الحرب، تولد تفاصيل غنية بالخطورة أكثر من صخب الحرب، وربما يختلف شكل التهديد عن الرصاص والقذائف. إذ نكون أمام حالة محمومة للبحث عن النجاة، حتى لو كلّف ذلك العبور على جثث الآخرين! وفق هذا الشكل، تلتبس الحالة الاجتماعية باعتبار أن الكل يريد أن تكون سلّته خالية تماماً من الإشكالات، فيبتعد عن الآخرين بهدف ترك مسافة أمان من دون التخلي عن دائرة يصنعها لنفسه.



انطلاقاً من كل ذلك، يصل العمل إلى مقولة واضحة تدّعي بأن «مسافة الأمان التي نفترضها ما هي إلا وهم أنتجناه لنقنع أنفسنا أننا بخير».
نسأل عن معطيات الرواية التلفزيونية التي يقدمها، وتفاصيل أكثر عن شخصياتها، والمفارقة الحاصلة نتيجة الحرب والكامنة في تفوّق الواقع على الدراما وصعوبة أن تؤثر في مجتمع أنهكته المصائب. مثلاً، كيف للعمل أن يجعل المشاهد يتعاطف مع بطل مكلوم، في حين أنّه في الواقع عايش عائلة فقدت أبناءها السبعة في حريق ناتج عن ماس كهربائي؟ وكيف تجعله ينسجم مع العمل أكثر مما تفاعل مع صورة الرجل الستيني وهو يمسح دموعه بسبب فشله في تبديل قارورة غاز؟ ما هي المقومات التي وُضعت في الاعتبار لتحقيق صدمة إيجابية لدى المشاهد، وخلق دهشته بعدما سيطر سبات طويل على حال الدراما السورية؟ يأتينا الجواب من المديرة الفنية لشركة «إيمار الشام» رانيا الجبّان: «هناك قرار بعدم حرق القصة وتيمتها الأساسية والاحتفاظ بهامش من التشويق في شخصيات المسلسل. إلى جانب حرفية صنّاع العمل، سيتركّز الرهان في الدرجة الأولى على الجملة الحوارية المتصاعدة في المسلسل ورشاقتها وقدرتها على خلق دهشة المشاهد وترك صدمة إيجابية عنده».
من جانبها، تحدّثت النجمة كاريس بشّار عن خصوصية التجربة وأهميتها بالنسبة إليها، موضحةً بأنه «من السهل عليها لعب دور مريضة نفسية من خلال أدوات ومفاتيح ثابتة تصلح لشخصيات مماثلة، أو القبض على اهتمام المشاهد من خلال جرعة محسوبة من المبالغة. لكن الأصعب والتحدي الأكبر بالنسبة إليّ هو الشخصية المغرقة في الواقعية، وهي سمة شخصية «سراب» التي أجسدّها في المسلسل. لعلّها تمثل نسبة كبيرة من الشعب السوري الذي تحوّل نتيجة الظروف لحمل مسؤولياته كرجل وامرأة في آن معاً. السؤال كيف يمكن أن تلامس حقيقة هذه الشخصية من خلال الأداء؟ ربما يكون هناك كثير من التفاصيل الحياتية التي عشتها تشبه هذه الشخصية، لكن كيف السبيل لاستحضارها وتوظيفها هنا مجدداً؟ العنوان العريض للعمل يشبه جوهر هذه الشخصية كثيراً. الوقت يمضي بنا ونحن غير قادرين على التورط في شيء خوفاً من العواقب حتى في الشأن العاطفي. هذا أمر مربك، وتجسيده صعب. سأناقش المخرج طويلاً وأتمنى أن تكون قلوبكم معي لأتمكن من صناعة دور مرضٍ».
العمل اجتماعي يتكلم عن الحب والعلاقات والإنسان والأخلاق


من ناحيته، عبّر النجم قيس الشيخ نجيب عن سعادته بعودته للعمل في دمشق بعد انقطاع طويل وظروف مربكة منعته من مزاولة مهنته مجدداً. وعما إذا كان المسلسل قادراً على ترجمة شيء من معاناة السوريين وهمومهم، أجاب: «لم أنقطع طيلة السنوات الماضية عن سوريا، بل كنت على تواصل دائم وزيارات متكررة. رغم نقل مكان إقامتي، إلا أن ذاكرتي الانفعالية تشبّعت بالمواقف المأزومة والتفاصيل الحياتية. كنت أحمل معي كلّ ما أراه، وأعيد مشاهدته في مخيلتي عشرات المرّات، وأقع تحت تأثير الظرف العام. وهذا من شأنه أن يظهر في سوية أداء الممثل معتمداً على خزّان مشاهداته، ومعايشاته المستمرة واحتكاكه بالظرف الحياتي».
بدوره، يشير مخرج العمل الليث حجو إلى «استمرار الدراما السورية بفضل ما أنتج خلال الحرب، بغض النظر عن النوعية». ويضيف أن «ميزة الدراما السورية هو التصاقها بالواقع، وهو سبب محبة الناس لها. لذا لا نستطيع أن نقدم عملاً من دون أن نتناول الحرب، ولو لم تذكر الكلمة بصريح العبارة. إذ لا يوجد عمل لا نرى فيه آثار الحرب. العمل اجتماعي يتكلم عن الحب والعلاقات والإنسان والأخلاق. حتماً سوف نرى إنسان ما بعد الحرب». وعن تغيير عنوان المسلسل من «أرض محروقة» إلى اسمه الحالي، أجاب: «الاسم الأوّل يخلّف انطباعاً متشائماً ذا علاقة مباشرة بمفردات الحرب في حين أنّ الحكاية ترصد ما بعدها. لذا تم الاعتماد على العنوان الجديد».