في أيلول (سبتمبر) الماضي، افتتح نيشان ديرهاروتيونيان، برنامجه «أنا هيك»، على «الجديد»، ضمن سلة برامجية في موسم الخريف. بعد طول غياب عن الشاشة المحلية، وتحديداً عن بيته الأول «الجديد»، عاد الاعلامي اللبناني برفقة إيلي الزير (راقص التعري)، ليدشن «فتوحاته» الإعلامية الأولى. بالطبع، تحتاج الحلقة الأولى من أي برنامج جديد، الى جرعة من الإثارة والتشويق، وجذب المشاهد، وأحياناً «صدمه». انتهت الحلقة الأولى، تاركة خلفها جدلاً طويلاً، لم يتوقف. نتحدث هنا، عن خمسة أشهر تقريباً، ضمن حلقات أسبوعية ثابتة، انزلق فيها الإعلامي اللبناني، الى مستنقع تحت مسمى عرض الحالات الإجتماعية التي تتعارض مع محيطها و«قيمه»، ومواجهاتها في ما بعد بجمهور محدود في الاستديو. جمهور يطرح عليه استفتاء حول الضيف/ة والحكم عليه. المستنقع لا يكمن في القضايا أو الحالات المستضافة في الأستديو، وطبعاً أغلبها طرح قبلاً وبطفرة إعلامياً، بل في المنحى الذي اتخذه نيشان في حواراته، مختبئاً وارء عباءة ما يقوله ويردده المجتمع. فمن يتابع الحلقات الأخيرة لـ «أنا هيك»، سيستوقفه هذا الكمّ من التركيز على مواضيع تدور في فلك الجنس والإثارة. لعب نيشان بالنار مراراً، من خلال التنقل بين قضايا اشكالية كالمثليين/ات، والمتحولين/ات، والمساكنة والتعرّي وخلع الحجاب. حالات حضرت في الاستديو لتعبّر عن ذاتها، وإذ بها تخرج ضحية مرة أخرى لبرنامج اكتفى بالقشور، وراح «ينكش» في خصوصياتها وكراماتها، بل إنّه أسهم أحياناً في ترسيخ وتعزيز الصور النمطية السائدة في المجتمع عن هذه الحالات، إن لم يكن أبلستها. لا أحد ينسى، كيف سأل ضيفته (حلقة المساكنة) إن كانت تخشى ان يقيم عشيقها (يصغرها سناً) علاقة جسدية بابنتها في حال غيابها عن المنزل، أو كيف أمعن في إيلام ضيفه (حلقة المثليين والمتحوليين)، عندما أراد معرفة تفاصيل عملية إغتصابه عندما كان صغيراً. الأمثلة تطول لأداء اعتقدنا أنه غاب عن الشاشة، وإذ به يحضر عبر إعلامي كانت له بصمته في هذا العالم، ولطالما حيّد نفسه عن هذه المنزلقات. أمس، قدم المحامون محمد زياد جعفيل، ولينا سحمراني، ميشال فلاح، ومحمد صفصوف، وعمر شبارو، عريضة الى قاضية الأمور المستعجلة في بيروت، ماري كريستين عيد، طلبوا فيها منع حلقة اليوم من «أنا هيك» المتناولة قضية السحاقيات. العريضة طلبت أيضاً، وقف الإعلان الترويجي للحلقة، فيما اعتبر المحامون أن ما يقدم على «الجديد»، يندرج ضمن «الحالات الإجتماعية الشاذة»، ويتم تصويرها «كمثال يقتدى خصوصاً للجيل الناشىء». العريضة لفتت الى أن البرنامج يضرب «بعرض الحائط كل المفاهيم والقيم الإجتماعية، التي تشكل شبكة أمان إجتماعية للوطن والمجتمع». وأمهلت القاضية عيد، المحطة مدة أربع ساعات للرد. وعبر موكلتها القانونية مايا حبلي، طلبت «الجديد» رد العريضة، «لإنتفاء صلاحية قضاء العجلة و صفة ومصلحة المستدعين». محتفظة بـ «حق الدفاع والردّ على سائر المزاعم الواردة في الإستدعاء الراهن». من جهته، غرّد نيشان على حسابه الخاص، معيداً نشر الإعلان الترويجي لحلقته. تغريدة توجه فيها الى المحامين وقضاة العجلة، متهماً إياهم بـ«إغتيال البرنامج»، الـ «حريص على الأخلاق العامة وتحمّل المسؤولية». استخدام قضاء العجلة، ليس بجديد، ومحاولة فرض رقابة مسبقة على الإعلام المرئي. فقبل «أنا هيك» شهدنا منعاً لفقرات تلفزيونية، بسبب تحرك هذا القضاء. لا يمكن الحديث هنا، عن «اهتزاز» قيم إجتماعية جراء برنامج تلفزيوني، هذا طبعاً لا يمت إلى الواقع بصلة. يبقى أن استخدام قضاء العجلة مرفوض تماماً، لما ينتقص من الحريات الإعلامية ودور الإعلام.