لم ينتظر بشّار اللقيس وهادي أحمد نهاية الحرب السورية كي يقوما بمهمة توثيق بعضٍ من فصولها وأدوارها الخارجية الخفيّة والخطيرة. ولم يتمهّل الصحافيان الشابان في انتظار ما قد يكشفه الإعلام الغربي لاحقاً عن الدور الإسرائيلي المؤثّر في واحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيداً خلال العقود الأخيرة. «الآن هو الوقت المناسب. ثمة مسافة زمنية بين بداية الأزمة وما يجري الآن، باتت تتيح قراءة الأحداث بعقل هادئ وسماع الرواية الأخرى للحرب السورية» على ما يقول بشار اللقيس (مُعِد وكاتب السيناريو) في حديثه لـ« الأخبار». برأيه، فإن وثائقي «سوريا... الرواية الأخرى» (إعداد بشار اللقيس ـــــ إخراج هادي أحمد) يبدأ من زاوية مختلفة عن الرواية التقليدية السائدة في الإعلام العربي منذ انفجار ما يعرف بـ «الربيع العربي» قبل سنوات والتي تركّز على البعد الداخلي للأزمات فقط. يقول اللقيس: «ننطلق من مجموعة نقاط لها علاقة بالسياق الخارجي، وتحديداً بالمسألة الإسرائيلية على اعتبار أنّه بعد سبع سنوات من الأزمة السورية صار متوافراً لدينا مجموعة كبيرة من الأدلّة والقرائن التي ندعو المشاهد العربي للتفكير فيها وأخذها في الاعتبار».
لا يدّعي صانعا الوثائقي الذي ستبدأ قناة «المنار» بعرضه ابتداء من الأحد 13 كانون الثاني 2019 (يناير)، أنّهم يغطون أو يؤرّخون كل جوانب الأزمة، بل يسلّطون الضوء على «الجانب غير المنظور في الإعلام العربي وغير العربي والذي يسهم في تفسير حقيقة ما جرى في سوريا في السنوات الماضية». يعود اللقيس إلى لحظة الإعلان عن دخول المقاومة اللبنانية في الحرب السورية في عام 2013 باعتبارها دافعاً أساسيّاً لإنجاز هذا العمل الوثائقي. يقول اللقيس: «كنتُ مهجوساً منذ ذلك الحين بكيفية تسييل العناوين العامة عن التدخل الخارجي والإسرائيلي تحديداً وتقديمه كمادة للمواطن العادي، مع العلم أن المقاومة غالباً ما تتحفظ وتتريث في الحديث عن مسائل مرتبطة بطبيعة عملها الأمنية والحذرة».
صفقات تسليح بين «داعش» والإسرائيليين كانت تتم بشكل دقيق ومنظم


تكمن أهمية الفيلم ــــ على ما يقول اللقيس ــــ في أنه يكشف خبايا تتجاوز مسائل كالطبابة والاستشفاء والتسليح والأمور اللوجستية التي تشكّل جزءاً يسيراً من عشرات الملفّات التي عملت وتعمل عليها إسرائيل في الساحة السورية. يستغرب اللقيس كيف أنّ كلمة «مؤامرة» مثلاً تحولت إلى تهمة، بصرف النظر عن تذرّع الأنظمة بها، بينما لا تفسير لأغلب ما جرى ويجري سوى أنه مؤامرة فعلية. ويشير اللقيس في السياق إلى أنّ الوثائقي يكشف مثلاً عن صفقات تسليح بين «داعش» والإسرائيليين كانت تتم بشكل دقيق ومنظم، مضيفاً «أن مدير الاستخبارات التركية السابق اسماعيل حقي بيكين يقول في الوثائقي إن ما حصل في سوريا هو جهد وتنسيق بين تركيا وإسرائيل». يستطرد اللقيس في الحديث عن المؤامرة، ليقول: «أثبتت الأحداث التاريخية منذ مئتي عام وصولاً إلى الانفجار الراهن، أنّ الخارج هو الأكثر حضوراً في قضايانا الداخلية».


في وثائقي «سوريا الرواية الأخرى»، بذل كل من اللقيس وأحمد جهداً كبيراً ومتواصلاً على مدى سنتين، معتمدين على ما يزيد على خمسة آلاف وثيقة تمت قراءتها والتحقق منها وهي وثائق مسربة من «ويكيليكس» ومن وزارة الدفاع الأذرية ومن بعض دول البلقان المرتبطة بتمويل وتدريب وتسليح الجماعات المعارضة في سوريا، كما نقل وامدادات السلاح إلى سوريا عبر موانئ ومطارات الشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، يعرض الوثائقي مواد مصورة حصرية للمرة الأولى من بينها مشاهد جديدة لدبابات «حزب الله». يولي الصحافيان اللبنانيان أهمية بالغة إلى ما يسمّيانه عملية التتبع على مستوى المصادر وكل ما له علاقة بالإعلام الدولي وتعاطيه مع الإسرائيليين، مشيرين إلى أن الوثائقي يكشف للمرة الأولى تفاصيل عن طبيعة العلاقة السياسية الأمنية بين إسرائيل وعدد من الجماعات المسلحة، فضلاً عن أنّه يقدم للمشاهد العربي بالشهادة المباشرة شخصيات في موقع القرار مثل رؤساء أجهزة أمنية واستخباراتية ومسؤولين عسكريين أميركيين وإسرائيليين وأتراك وغيرهم..
من جانبه، يقول هادي أحمد (مخرج العمل) إنّ «الوثائقي هو حاصل جمع الحقيقة». يوضح «أنّ الرؤية الإخراجية التي تم اعتمادها، هي التسلسل الزمني مع دمجها بمشهدية تحاول منح الجمهور ملكة رؤية الأشياء المخفية التي حصلت». ويضيف أحمد: «عملنا على تبسيط الأمور وتفسير محدد لكل كلمة وجملة، واكبتها عناصر الصورة على اختلاف أنواعها للمساهمة بفاعلية في عملية الاتصال، وتبيان دور لغة الصورة وفقاً لمساحة استخدامها في سياق العرض». يؤكد أحمد أن «الصورة لعبت دور تأكيد للمعاني التي تطرحها كلمات النص، وأحياناً تضيف إلى هذه السياقات معاني أكثر كثافةً».
جهود كبيرة عبر منظمات الـ «أن. جي. أوز» بغية تهجيير الأقليات الدينية من سوريا إلى شرق أوروبا

أحمد الذي يتحدث عن بعض الصعوبات اللوجستية التي واجهت إنجاز الوثائقي، لا سيما لجهة إجراء مقابلات في أميركا وفرنسا والكيان الإسرائيلي، يقول من جهة أخرى إنّ الإضافة النوعية للوثائقي تكمن «في كشفه للتسلسل التاريخي لعملية تقسيم سوريا والدور الإسرائيلي المباشر ليس فقط في تسليح بعض الجماعات، بل في بذل جهود كبيرة عبر منظمات الـ «أن. جي. أوز» بغية تهجيير الأقليات الدينية من سوريا إلى شرق أوروبا».
في المحصلة، فإن منتجي وثائقي «سوريا... الرواية الأخرى» يعوّلون عليه ليكون «محاولة صنع توازن في الرواية العربية عن الحرب في سوريا». فهل يكسب هؤلاء التحدي في ما يرونه «أبعد من مجرد وثائقي بل مشروعاً إيمانياً وأخلاقياً» و«وفاء لدين بعض الشهداء ولكثير من المرابطين في وجه إسرائيل من دمشق إلى بيروت وصولاً إلى القدس وكل بلاد المقاومة في هذا العالم»؟

* وثائقي «سوريا... الرواية الأخرى» يعرض على ثلاثة أجزاء على قناة «المنار» ــــ كل أحد 20:30 مساء ـــــ ابتداء من بعد غد الأحد 13 كانون الثاني (يناير) 2019
* الحلقة الأولى: «سوريا من فولر إلى ديختر»
* الحلقة الثانية: «على خط الصدع»
* الحلقة الثالثة: «وعلى الأرض السلام»