لم يقفل الأسبوع الماضي على ما بدأه. الصخب الذي شهدته الشاشات المحلية، والتنافس على «كسر العظم»، في ما بينها مع بدء برمجة الخريف، سجل لا شك مستوى منحدراً جداً للبرامج المنافسة. برامج اتكأ أغلبها على الإثارة والجنس والتعري. يوم الجمعة الفائت، خرج علينا برنامج «كلنا للوطن» (إنتاج شركة «هاي وايز برودكشن» لسناء قزي وكالين ناصيف - إخراج سامر دادانيان) على «الجديد». برنامج أعاد إلينا فسحة مفقودة على الشاشة الصغيرة. «كلنا للوطن» الذي يخوض فيه الممثل كارلوس عازار مجدداً تجربة التقديم، يقوم على تقريب المسافات بين اللبنانيين، وتعريفهم على مناطق يجهلونها، أو لم يتعرفوا إليها عن كثب ضمن أجواء مرحة، تجمع الترفيه بالمعلومة. في الحلقة الأولى (ساعة ونصف الساعة) التي احتضنها استديو متواضع، تنافس فريقان من منطقتين لبنانيتين ترأس كل منهما شخصية سياسية معروفة. حضر النائب السابق مصباح الأحدب مع فريقه (4 أشخاص) من طرابلس، فيما وقف في الجانب المقابل، الخبير الحقوقي غسان مخيبر آتياً من «بيت مري» مع فريقه (4 أشخاص أيضاً). خاض الفريقان المغامرة في تبادل الزيارات الى المنطقتين واختبار معلوماتهما التاريخية والجغرافية عن كل من البقعتين. عازار الذي بدا مرتاحاً وفي مكانه الصحيح في هذا البرنامج الذي يحتاج الى مذيع يضبط إيقاعات الفريقين، ويتمتع بمرونة وبحيوية، أدخل نوعاً جديداً من التقديم الذي مزجه بالغناء. هكذا استهل الحلقة الأولى بالحديث عما يجمع اللبنانيين، ولم يجد سوى الطعام و «النق»، و«الأرجيلة»، بينما هناك نقاط إختلاف كثيرة بينهم، وحتى حواجز جغرافية وثقافية وأفكار مسبقة عن الآخر. إبان تقديمه لهذه الإستهلالية التي بدت طويلة نوعاً ما، خرقها عازار بغناء مقطعين الأول يعود الى نشيد «حزب الكتائب»، والآخر الى نشيد «حزب الله»، لدى حديثه عن إختصار المناطق بالأحزاب اللبنانية. يتوزع البرنامج على فقرات مختلفة، من إختبار الثقافة العامة، الى معلومات كل فريق عن منطقة «خصمه» في اللعبة، مروراً بإختبار لعبة الجغرافيا وتركيب Puzzle خريطة لبنان، ووضع أسماء المحافظات عليها، وإنتهاء برحلة «القفورة» التي حضرت في الأستديو، ولعبة ترتيب المناطق والمدن اللبنانية من طرابلس الى بيروت.
طبعاً، بين الأجواء المرحة، والمفيدة من خلال عودة البرامج التثقيفية ولو الخفيفة الى أحضان التلفزيون، وعلى أنغام الوصلات الغنائية الوطنية، تعرّف المشاهدون على منطقتي «بيت مري»، وطرابلس. ضمن تقنية تصوير جوية وأخرى سريعة، تنقل الفريقان بين أحضان المنطقتين. بدا كل من الأحدب ومخيبر بمثابة دليلين سياحيين، يعرّفان المشاهد على تاريخية كل منطقة، وغناها الحضاري، وأبرز معالمها. هكذا تنقلت الكاميرا بين كنائس «بيت مري» القديمة والمعمرّة، ودخلت الأحياء والاسواق الشعبية في عاصمة الشمال. وبعدها راح كل فريق في الأستديو يستعرض معلوماته عن منطقة الفريق المنافس.
إذاً، خضنا مع «كلنا للوطن» رحلة ممزوجة بالترفيه وبالثقافة، وايضاً برسالة وطنية واضحة، بإعادة جمع أواصر اللبنانيين، وفتح الباب أمامهم عبر منبر تلفزيوني، للتعرف الى الآخر المختلف بلهجته المناطقية، وبأذواقه في إعداد وتناول الطعام، وبمعالم المنطقة التي يقطن فيها. عاد بنا البرنامج، الى حقبة ذهبية مضت في زمن التلفزيون اللبناني، وأيضاً الى أهمية دور التلفزيون ووظيفته. وظيفة تجلت هنا في تقريب المسافات، وتقديم المعلومة، فبدا أن البرنامج يسير عكس التيار السائد. و«من قال إن البرامج التثقيفية الترفيهية، لا تجلب مشاهدة؟». سؤال تردد على المنصات الإجتماعية، كاسراً بذلك ذرائع «الرايتينغ»، التي تبنى على حساب المهنة وكرامة الإنسان.
....
*«كلنا للوطن» كل جمعة 21:30 على «الجديد»
--------------