لعلّه لعب بالنار بكل ما للكلمة من معنى دخلت فيه «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، من خلال إطلاق برنامج «بكل طائفية» (فكرة رانيا يزبك- سيناريو ريما إبراهيم- إخراج داني الحج). سلسلة البروموهات التي سبقت الحلقة الأولى من البرنامج، كانت مختارة جيداً من أحداث عصفت بلبنان على خلفية طائفية، في محافل كثيرة، في الملاعب والشوارع، مع إخراج لألفاظ وعبارات مثيرة للحساسية الطائفية بغية الإستقطاب. ومع الإثارة المفتعلة في الإعلانات الترويجية، كشفت القناة أمس عن البرنامج الذي أتى مخيباً للتوقعات، بفضل تركيبته الضائعة بين التمثيل الدرامي، وتلفزيون الواقع، فاختلط الأمر على المتابع: ماذا يشاهد؟ هل هو أمام تمثيلية معدة سلفاً، أو حوار عفوي بين أشخاص جُلبوا من العوالم الإفتراضية؟


تركيبة هجيبة وضعف في الحوار، الذي بدا مصطنعاً وغير مقنع طيلة مدة الحلقة (42:03). أما أداء الناشطين/ ات فكان أيضاً غير مقنع، كأنهم لم يخضعوا لإدارة في حركتهم وفي حواراتهم تلفزيونياً. البرنامج يقوم ـ كما يدّعي ـ على «نبذ الطائفية»، عبر إخراج وإعادة إستخدام كليشيهات وأفكار منمطة عن الآخر المختلف طائفياً وسياسياً، من قبل ناشطين على المنصات الإفتراضية، انتقلوا بأسمائهم ووجوههم الى الشاشة التقليدية. حرص البرنامج في شارة البداية على أن يخبر المشاهد بأن «الآراء التي يدلون بها (الناشطون) تمثلهم وحدهم ولا تمثل الجهات السياسية التي ينتمون إليها»، وبأنه يقصد «مسّ الشعور» لديه. لكن حتى الهدف الأخير لم يستطع أن يصل إليه، نظراً إلى غياب «رأس» يدير هذه اللعبة، ويفككها، بدل تسطيحها، شكلاً ومضموناً كما حصل في الحلقة الأولى من «بكل طائفية». مغامرة lbci، التي راهنت على لعبة «تأثير» الأفراد على السوشال ميديا (المصطلح طبعاً بحاجة الى تعريف وتأطير علمي)، وجلبهم الى الشاشة، فشلت في تقديم الصورة إخراجياً، إذ بدت الكادرات مملّة، إلى جانب الحوارات المكرورة والمصطنعة، ولو استخدمت مواضيع سياسية واجتماعية حيوية.
عباس زهري، راشيل جعجع، بلال مواس، راما الجراح، جاد غانم، رائد حسون، سرحان سرحان، ميا دجرماكيان، وإدمون حدّاد، اجتمعوا تحت سقف قناة «قطعة سما» الإخبارية الإلكترونية. كل ينتمي الى حزب سياسي وطائفة معينة، عمل على تظهيرها في «الجنيريك». ورغم الإتكاء على لعبة الإختلاف والخلاف في ما بينهم، الا أنهم جميعاً افتقدوا الى الإنسجام ولعبة الإقناع، حتى مع طرح مواضيع حساسة كالتنميط المناطقي على أساس طائفي، أو الأحكام المسبقة والمعلبة عن الآخر.
ومع إخفاق الحلقة الأولى من «بكل طائفية»، شكلاً ومضموناً، ربما تُطرح تساؤلات جانبية، لها علاقة بمدى صوابية الإستثمار في العالم الإفتراضي من قبل الشاشات التقليدية، والإتكاء على لعبة «التاثير» التي يندرج أغلب أفرادها ضمن لعبة الخداع والحسابات الوهمية. في محصلة الحلقة الأولى، فشلت التجربة التي «جلبت» من عالم التغريد أناساً ليكونوا «أبطالاً» على الشاشة. فشل هؤلاء ومعهم المحطة في صناعة مادة تذهب أبعد من تسطيح الأفكار والقضايا، أو خلطها كما حصل هنا من خلال غياب الفصل بين الإنتماء الطائفي والسياسي (نقطة كان من المهم العمل عليها)، للدفع قدماً بالأهداف المعلنة للبرنامج، وتحفيز التفكير النقدي لدى المشاهد!

* «بكل طائفية» كل ثلاثاء عند الساعة 21:40 على شاشة lbci