القدس المحتلة | في الوقت الذي تنفق فيه «هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية» أموالاً طائلة على الاحتفال بانطلاقتها وتكريم الوفود العربية التي أثارت زيارتها لرام الله أخيراً الكثير من الجدل، تتهرّب من دفع المستحقات المترتبة عليها تجاه «مسرح الرواة» المقدسي؛ المنتج المنفذ لمسلسل «باب العمود» الذي يعدّ أهم عمل درامي فلسطيني (الأخبار 8/8/2013). «هل أخطأنا عندما قدّمنا جملة من الوفاء والانتماء للمدينة، وفرَّحنا الأسرى وقدَّمنا القدس لكل من لا يستطيع الوصول إليها؟»، يتساءل مخرج العمل والممثل إسماعيل الدباغ، مضيفاً لـ«الأخبار»: «لم يتعرض العمل لسياسيين، لماذا هذا العداء تجاه القدس وأهلها؟».
«تلفزيون فلسطين» منتج المسلسل الذي عرضته الشاشات الفلسطينية في رمضان الماضي، لم يسدد حتى الآن الدفعة الأخيرة لـ«مسرح الرواة» المنتج المُنَفذ للعمل الذي صوِّر في القدس المحتلة. وقد حاول التلفزيون رفع سقف التحدي أمام العاملين على المسلسل منذ البداية، ولم يف بالتزاماته الماليّة حتى مع بدء بث الحلقات كما توضح مستندات «مسرح الرواة». علماً أنّ الأخير ورّط نفسه بالديون وتغلب على العوائق التي يفرضها الاحتلال لإنجاز «باب العمود» قبل شهر الصوم.
حجة «تلفزيون فلسطين» تمثلت في المطالبة برخصة مِهَن من العاملين في «مسرح الرواة» خارجة عن الاتفاق الذي وقع بين الطرفين كما يوضح العقد. هذه المسألة تقع في الأصل ضمن مسؤوليات منتج العمل (التلفزيون الرسمي) الذي يسعى من خلال نفوذه إلى الاحتيال على الفنانين المقدسيين، حتى إنّ المستشار القانوني للتلفزيون لؤي علاوي هدد مدير الإنتاج بأخذ الحلقات الخمس الباقية من بيته بالقوة عبر الأجهزة الأمنية للسلطة. علماً أنّ التلفزيون لم يبث هذه الحلقات في رمضان الماضي بعد امتناع الدباغ عن تسليمه إياها.
وحول رخصة المهن التي طالب بها التلفزيون بعد تسلّمه الحلقات وبثِّها، يسأل الدباغ: «ماذا تعني رخصة مهن في منطقة مثل الضفة الغربية، تفتقر إلى الحياة السياسية أو إلى برلمان يُشرِّع المهن، وخصوصاً الفنيّة منها». ويشير إلى أنّه «لا نقابة حالياً تعترف بالفنانين وتحفظ أبسط حقوقهم». ويرى الدباغ أنّ هذه الذريعة جاءت لـ«الاحتيال» على العاملين في المسلسل، وأنّها عبارة عن «عملية تكسير عظم، لوضع العاملين بين مطرقة السلطة وسندان الاحتلال». وتابع قائلاً إنّه «في حال حصول «مسرح الرواة» على رخصة المهن، ستقتطع السلطة الفلسطينية المبلغ الباقي كضريبة، وبالتالي سيتورط طاقم المسرح المقدسي في ضرائب جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لم يذكر في العقد الموقع بين الطرفين».
رمزيّة عالية حملها مسلسل «باب العمود» في حلقاته التي تناولت الحياة اليومية والمشاكل الاجتماعية في القدس المحتلة بأسلوب يسخر من الاحتلال والفساد الناتج منه في المدينة والمؤسسات التي تتسول على هموم أهلها. حقق العمل نسبة مشاهدة عالية في فلسطين والشتات، وعُرض ثلاث مرات على التلفزيون الرسمي، ومرتين على الفضائية الفلسطينية ومثلها على تلفزيون «معاً»، فيما يعرض حالياً على فضائية «اليمن». كذلك، شارك المسلسل في مهرجانات عربية عدة كان آخرها «مونديال القاهرة».
أما مكافأة «هيئة الإذاعة والتلفزيون»، فجاءت بالتَسلق على هذا الإنتاج الذي لم تتجاوز ميزانيته الكاملة (لم تسدد حتى الآن) 120 ألف دولار أميركي. ميزانية لم تكف لتنفيذ المسلسل لولا تعاون وتطوّع أهالي القدس القديمة، وتوفيرهم معظم مواقع التصوير من دون مقابل.
رئيس مجلس أمناء «هيئة الإذاعة والتلفزيون» رياض الحسن تعهد تسديد المبلغ المستحق منذ ستة أشهر، لكن محاولات القائمين على العمل للوصول إليه باءت بالفشل، وكذلك محاولاتنا للاتصال به. استخفاف الحسن وعدم تحمّله المسؤولية، عرّضا إسماعيل الدباغ المعروف بأهمية أعماله في المسرح الفلسطيني، لمواقف سخيفة. فهو اتهم بالاحتيال على الممثلين الذين لم يتقاضوا ما بقي من أجورهم، فضلاً عن عدم وفائه بغيرها من الالتزامات.
كان الأمل في أن يحتضن التلفزيون الرسمي مثل هذه الأعمال ويدعمها ويطورها، لا أن يستغل صدق العاملين فيها ويتسول على حساب جهودهم في المهرجانات والمؤتمرات العربيّة التي كان آخرها مؤتمر «اتحاد إذاعات الدول العربية» أخيراً في رام الله (الأخبار 10/1/2014). ألا تكفي سياسات الاحتلال التي تُضيّق كل يوم على المواطن المقدسي وتفرض عليه ضرائب لا حصر لها بهدف تهجيره؟ أهكذا تُترجم شعارات السلطة ومسؤوليها لدعم صمود القدس المحتلة؟




مقدسي مئة في المئة

قدم مسلسل «باب العمود» لاسماعيل الدباغ صورة مغايرة للقدس عمّا طرحته الأعمال العربية السابقة، صورة تعرض مخاوف المقدسيين من مخططات التهويد والتهجير وكيفيّة تعاملهم معها بعيداً عن شعارات الساسة أو كليشيهات النضال الفلسطيني المعروفة. كذلك تعرَّض بسخرية عالية لقضايا كثيرة كشفت جوانب أخرى للدعم الذي يُقدَّم للقدس حتى غرقت في فساد مؤسسات الأجهزة، وحوَّلت الفلسطيني إلى متسوِّل ينتظر لِجان الإعمار والزكاة وبيت المال حتى تمنحه «كوبون» الخُبز الشهري. مشاكل يصعب حصرها واجهها طاقم العمل خلف الكواليس وهم يصورون حلقاتهم بغفلة عن الاحتلال. وبتعاون حارات كاملة، أُنجِز «باب العمود» وكان فلسطينياً بامتياز.