في بداية الأزمة السورية، توقفت صحيفة «الخبر» السورية، التي ترأس تحريرها الصحافي يعرب العيسى، «لأسباب غامضة»، بعدما تعاطت بجرأة مع الأحداث في بدايتها وغطت مؤتمر المعارضة الذي عُقد في دمشق بـ «سقف عالٍ»، ورسّخت مفهوماً جديداً للصحافة السورية الخاصة. أجرت الصحيفة الاقتصادية التي يملكها رجل الأعمال السوري طريف الأخرس، الذي تربطه صلة قرابة بأسماء الأسد زوجة الرئيس السوري، في عددها الأخير مقابلات مع عدد من المعارضين السوريين، وكان هامش الحوارات أكبر من المعتاد في الصحافة السورية، فيما كتب العيسى مقالاً جريئاً في ذلك العدد، يُقال خلف الكواليس إنّه كان السبب المباشر في إغلاقها. غاب العيسى بعد ذلك عن الوسط الإعلامي السوري، ونأى بنفسه، وهو صحافي يوصف بالصدقية والجرأة، وحظي بعداوات مباشرة من وزراء الإعلام ومعظم المسؤولين في سوريا، وآخرهم الوزير محسن بلال، الذي اتهمه علناً بـ «العمالة» أمام مؤتمر ضمّ نحو 500 إعلامي سوري!.
وجاء قرار إيقاف الصحيفة آنذاك، قبل إخراج النسخة الأخيرة التي تضمنت تقييماً لعمل «حكومة الأزمة» الأولى التي تولاها عادل سفر، خلفاً لناجي عطري، وكان عنوان الملف: «حكومة الوقت الضائع التي أضاعت المزيد منه»، كما منعت وزارة الإعلام ثلث إصدارات الصحيفة المشاكسة من الصدور قبل الحرب لـ «أسباب رقابية» تتعلق بانتقاد عمل الحكومة السورية!.
اليوم، عادت صحيفة «الخبر» الأسبوعية للصدور، بوجوه جديدة، وقديمة، ورئيس تحرير جديد، وارتفع سعرها عشرة أضعاف، من عشرة ليرات إلى مئة ليرة، فيما كتبت على صفحتها الأولى مانشيت العودة: «بعد سبع عجاف».
يقول صاحب الامتياز طريف الأخرس: «نعود اليوم بالخبر، ومنذ ولادتها الأولى أردنا أن تكون الخبر منبراً للحقيقة، ومكاناً لفرز الموضوعية عن الادعاءات والمزايدات والكذب». ويضيف رجل الأعمال السوري: «لم تكن الخبر يوماً مشروعاً استثمارياً تجارياً، ولم تستبدل المهمة الإعلامية بالإعلان»، موضحاً أنّ «الواقع فرض علينا ظروفاً كانت أقوى من إرادتنا بالاستمرار، دخلت بلدنا الحرب وبدأ الخراب والدمار وبدأ كل شيء بالانهيار، إلا إيماننا بأن وطننا خارج من بين الدمار والركام».
ويرى الأخرس أنّ «ما هو مهم اليوم أن نستخلص العبر مما حصل في بلدنا في السنوات السبع الماضية، وأن نستفيد منها لبناء المستقبل وأن نكرس ثقافة البناء والإنجاز بعيداً عن التنظير والعيش بشكل طفيلي، خصوصاً أننا نتلمس مع بلدنا طريقاً للانعتاق والحرية بعد سنين سبع من الصمود الأسطوري».
من جهته، يقول رئيس التحرير الجديد، الصحافي المخضرم أسعد عبود: «نحن متفائلون بعودة «الخبر» كما كانت، وعودة «الخبر» للصدور هي نتاج الصبر والنصر».
عبود القادم من الإعلام الرسمي، توقف عند سبب توقف الصحيفة سابقاً، وأكد في افتتاحية العدد 149 أنّه «كان الأمر خارجاً تماماً عن إرادة «الخبر»، فالبلد دخلت حرباً ساخنة اقترب معها الاستمرار في الصدور من الاستحالة».
ويبدو عبود متفائلاً بالمحاولة الجديدة لـ «الخبر»، عازياً ذلك إلى «ازدحام النشاطات والأعمال في سوريا مع الخلاص من الحرب، ودور الإعلام في البناء، والتجربة السابقة المتميزة للمؤسسة»، شاكراً جهود الزملاء الذين تولّوا شؤون «الخبر» قبله، وأكد استعداده للمضي في الطريق ذاته.
رئيس التحرير السابق للصحيفة، الزميل زياد غصن، يشدّد على أنّ «الخبر» لم تكن مجرّد صحيفة أسبوعية تصدر في بلد يتراجع فيه عدد القراء باستمرار، وتطفو فيه مجلات الموضة والمجتمع «المخملي» والإعلانات على مطبوعات الأدب والاقتصاد والسياسة، ولم تكن مجرد منبر اقتصادي حر، في وقت كان يسكن في عقل كل صحافي وكاتب ألف شرطي ورجل أمن، وكانت المصالح والمنافع الشخصية تمثل قاسماً مشتركاً لشريحة ما من «الصحافيين».
ويقول غصن مستهلاً عودته إلى صفحاتها، إنّ «الخبر» باختصار «حالة سورية طبيعية»، يمكن أن تتكرر، وفي هذه الصحيفة لم تكن هناك سوى حالة ديكتاتورية واحدة، هي قهوة يعرب العيسى وسلمان عز الدين التي فُرضت على الكادر من دون هال، وفي «الخبر» وحدها كان يمكن أن يجد صاحب الامتياز مقالاً ينتقد مصالحه أو يعارض بعض أفكاره، فيطلب من باب الموضوعية بحق الرد.