يخوض «التحالف» السعودي ــ الإماراتي معركة إعلاميّة موازية للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها و(مطارها). ومنذ يوم الأربعاء الماضي، تاريخ إعلان بدء المعركة ــ عبر قناة «العربية» ــ يستمر «ضخّ الأمل» على هذه «الجبهة» بحتميّة الخاتمة «السعيدة».يوم الأحد (أول من أمس)، دخلت قوّات «الشرعية» مطار الحديدة، وبدأت «عملية التطهير». يومَها أيضاً، كانت تنتظر هذه القوات أن تتسلّم الميناء من سلطات صنعاء «من دون مقاومة»، لأنَّها كانت تتقدّم بسرعة قصوى. لكن، ذلك كان يحصل فقط على شاشات التلفزة وفي الصحف الداعمة. سرعان ما تبدّدت الصورة، ليتبيّن أن أدوات الدعاية نفسها لم تتغيَّر منذ ما يزيد على ثلاث سنوات ــ عمر الحرب على اليمن.
يوم بدأ العدوان فجر الـ26 من آذار عام 2015، تمكّن تحالف «عاصفة الحزم» من تدمير 80 في المئة من قدرات «الحوثيين» العسكرية في ربع الساعة الأول على بداية القصف، ذلك ما عنونته، في اليوم التالي صحيفة «الشرق الأوسط». حينها، كانت السعودية، قائدة «التحالف»، تتحدّث عن معركة محسومة النتائج منذ اليوم الأول، لكن الإفراط في التفاؤل لم يكن كافياً لحسم الحرب لمصلحتها في غضون «أيام معدودة»، أو «أشهر» في أبعد تقدير.
مع الانتقال إلى معركة الساحل الغربي، لا يزال إعلام الخليج الموالي لـ«التحالف» يعتمد تكتيك «الحماسة» ذاته. يبدو ذلك جلياً من خلال متابعة الصحافة الخليجية. وفي عددها اليوم، قالت «الشرق الأوسط» إنّ «الجيش اليمني يسيطر على مطار الحديدة وميليشيا الحوثي تفرّ باتجاه البحر»، مشيرة إلى أنّ القوات التابعة لـ«التحالف» دخلت المجمع الرئيسي لمطار الحديدة و«بدأت عمليات التمشيط داخل المطار»!
لكن الصحيفة نفسها كانت قد أعلنت، أول من أمس، «تحرير» المطار الذي بات «في عهدة الشرعية»، مؤكدةً أنّ القوات التابعة لـ«التحالف»، بدأت عملية «نزع الألغام في موازاة تقدّمها لتطويق المدينة من جهة الشرق ومواصلة التقدم على طريق الشاطئ نحو الميناء».
وفي مقالة بعنوان «هل يشارك الحوثي في حكم اليمن؟»، تضع الصحيفة «الحوثي» أمام «خيارين»: فإمّا أن يضع سلاحه، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2216 ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، وتضع الحرب أوزارها عند هذه المرحلة والدخول في العملية السياسية فوراً، أو، وربما هذا الأرجح، أن يستمر الحوثيون في القتال حتى اللحظة الأخيرة (...) وفي هذه الحالة سيخسرون الحرب».
في موازاة الغضب السعودي، يتبع إعلام الإمارات تكتيكاً مغايراً، لكنه يفضي إلى نتيجة «التفوّق» نفسها. تقول صحيفة «البيان»، إن «إنهاء الحرب هو الهدف»! لكن كيف؟ تشرح الصحيفة أن «القوات المسلحة الإماراتية ذهبت إلى اليمن من أجل استعادة الشرعية وتحرير اليمن من الميليشيات الانقلابية الحوثية الإيرانية». ولكن «رغم التقدم السريع لقوات المقاومة الوطنية المشتركة، المدعومة بقوة من القوات المسلحة الإماراتية لتحرير مدينة الحديدة، إلا أن دولة الإمارات ما زالت متمسكة بأولوية الحوار والتسوية السياسية، وذلك بناءً على مخرجات الحوار الوطني اليمني برعاية الأمم المتحدة». وذلك لأن الإمارات، بحسب الصحيفة، «ليس لها مصلحة بالتدخل في مخرجات العملية السياسية والتي يجب أن يحدّدها اليمنيون أنفسهم». وعليه، «تعلن دولة الإمارات أن الهدف من عملية تحرير الحديدة هو مساعدة المبعوث الخاص للأمم المتحدة في مهمته الصعبة لإقناع الحوثيين بالانسحاب غير المشروط من الحديدة وتسهيل عملية تسليمها للحكومة الشرعية اليمنية».
وفي مقالة أخرى، تشير الصحيفة الإماراتية إلى أنّ «عاملين أفسدا ويفسدان وحدة جزيرة العرب ومستقبلها. الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والتخريب الإيراني الطائفي لمجتمعاتنا».
وبما أن «أمر إسرائيل أصبح معروفاً وصار من الوضوح إلى درجة لا يحتاج إلى مزيد من القول»، بحسب «البيان»، فإنّ «التخريب الطائفي لمجتمعاتنا (...) وَيَا للغرابة، يتّكئ على قوى عربية تنتمي إلى جزيرة العرب». و«هنا يبرز الحوثيون بوصفهم نشازاً تاريخياً في وطن شكّل وما زال يشكّل جزءاً مهماً من شبه الجزيرة العربية ومصدراً سكانياً على مرّ العصور لبلاد الشام والعراق وبلدان الخليج العربي، وبالتالي فإن الحالة الطبيعية هي أن يكون اليمن آمناً مستقراً ذا علاقة قوية مع محيطه الحيوي والتاريخي، محافظاً على أمن وسلامة جزيرة العرب. ولهذا قلنا إن الحوثيين نشاز تاريخي بوصفهم قوة غيّرت من انتمائها وثقافتها وصارت قوة مسلحة مدعومة من دولة لاهوتية هي إيران». وتتساءل الصحيفة «هل هزيمتهم حتمية؟»، قبل أن تجيب «في منطق التاريخ لا يمكن للنشاز التاريخي أن يدوم طويلاً رغم أنف الواقع، وكل سلطة أقلية جاءت اغتصاباً في لحظة مصادفة مزعجة ستؤول إلى الزوال حتماً».
مقاتلون موالون لـ«التحالف» في محيط مطار الحديدة (أ ف ب )

«الجزيرة» في خندق الحوثيين
ليست «الجزيرة» في منأى عن كل ما يحدث، بوصفها «طرفاً محاصَراً» من حلفاء الأمس الذين يخوضون معركة كانت حتى وقتٍ قريب شريكة فيها وداعمة لها، لكن القناة القطرية قرّرت أن تظهر الحقائق كما هي لتكشف زيف إعلام دول الحصار. هكذا، حصلت على صور خاصة من داخل مطار الحديدة تظهر «استمرار سيطرة الحوثيين عليه، بينما تدور المعارك في محيط المطار مع القوات اليمنية المدعومة إماراتياً». وتبيّن الصور ومقاطع الفيديو «أنحاء المطار وبداخله مسلحون تابعون لجماعة الحوثي». وفي غضون ذلك، رصدت كاميرا «الجزيرة» الحياة داخل مدينة الحديدة في ظل المعارك المندلعة على أطرافها.
وفي تقرير خاص بعنوان «روايتان وراء سعي السعودية والإمارات للسيطرة على ميناء الحديدة»، تشير «الجزيرة» إلى هدف السعودية والإمارات من محاولة السيطرة على ميناء المدينة. فـ«الميناء لا يستخدم فقط لتهريب الأسلحة (بحسب الرواية السعودية)، وإنّما هو مصدر دخل أساسي للحوثيين (الرواية الثانية) الذين يحصلون على ملايين الدولارات مقابل الرسوم على السلع التي تعبر منه، وما يلاحظ في الروايتين هو غياب البعد الإنساني، ولذلك لم تلتفت الرياض وأبو ظبي إلى مناشدات دولية عديدة تحذرهما من كارثة قد تلحق بالمدنيين إن هما نفّذتا هجوم الحديدة».

... أما الصحافة الغربية
في الصحف الغربية، البريطانية والأميركية، ليس هناك من يهلّل للعدوان على اليمن عموماً، والتحرّك الأخير باتجاه الحديدة خصوصاً. في هذه الصحف، هناك من يحذّر من الهجوم على الحديدة، ومن يلقي باللائمة على الدول الغربية في ما يجري، على اعتبار أنها تقوم بدور المتآمر والمشارك، بنحو مباشر أو غير مباشر، إن كان عبر إمداد دول العدوان بالأسلحة والذخائر والمستشارين العسكريين، أو من خلال السكوت والقبول الضمني بما تقوم به من جرائم في اليمن. خلال الأيام القليلة الماضية، نُشرت في صحف غربية عدّة تقارير ومقالات يمكن الوقوف عندها، حيث أدى معدّوها وكتّابها دور الضمير، الذي غاب عند سلطة بلادهم.
(أ ف ب )

«نحن متواطئون»
في آخر ما كُتب عن هذا الموضوع، تطرّقت صحيفة «ذا غارديان»، في افتتاحيتها، إلى التواطؤ البريطاني، معتبرة أن «الأعذار تراجعت، بشكل كامل، بشأن دورنا في بؤس اليمن». وأشارت إلى أن «الهجوم الذي يشنّه التحالف، الذي تقوده السعودية والإمارات على الحديدة، لا يؤدي إلا إلى تعميق أسوأ أزمة إنسانية في العالم».
الصحيفة البريطانية لفتت، من جهة أخرى، إلى أن «التحالف يشن هذه الحرب بأسلحة بريطانية وأميركية وفرنسية... وبالتدريب والمشورة العسكرية الغربيين». كذلك، شدّدت على أنهم «يشنّون الحرب بحماية دبلوماسية من الغرب». ولم تقف عند هذا الحد، فقد رأت أن «الهجوم محاولة لإحباط عرض خطة السلام من قبل مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث، الذي كان قد حذر سابقاً من أن الهجوم على الحديدة يمكن أن يخرج السلام عن الطاولة بضربة واحدة».
وفي سياق تحليلها للخطوة السعودية ــ الإماراتية الأخيرة باتجاه الحديدة، قالت «ذا غارديان» إنّ «التحالف» اعتقد بأنه «بعد فترة طويلة من الجمود، قد يكون في أفضل وضع له منذ بدء الحرب»، معتبرة أنه «أمل في تغيير الحقائق على الأرض، ويبدو أنه أقنع نفسه بأن الحديدة ستكون فوزاً سهلاً نسبياً، إذا كان الأمر بعيداً عن المدنيين».

تجويع اليمنيين... سلاح
من جهتها، تساءلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عمّا يمكن أن يحصل إذا ما استوطنت المجاعة في اليمن؟
وفي مقالة لأليكس دي وول، وهو خبير في المسائل الإنسانية، أشار الكاتب إلى أنه قد لا يكون تجويع اليمنيين من ضمن استراتيجية الإمارات والسعودية، إلا أنّه لفت إلى أنه «من الناحية العملية ــ إن لم يكن بناء على الدافع ــ فإن المجاعة قد تحوّلت إلى سلاح في هذه الحرب».
من جهة أخرى، أشار ديل وول إلى أن الحرب على اليمن «أميركية أيضاً». وأوضح أن «الولايات المتحدة هي حليف قديم للسعودية، وقد أصبحت أقرب منذ أن قام الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران». دي وول لم ينس الإشارة إلى الجانب الأهم في هذا المجال، لافتاً إلى أنه «قبل قيام وزارة الخارجية بالتصديق على صفقة أسلحة كبيرة، في وقت سابق من هذا العام، كانت السعودية ــ وهي ثاني أكبر مستورد للأسلحة ــ تشتري أكثر من 60 في المئة من أسلحتها من الولايات المتحدة».
وآثر الكاتب محاولة البحث عن حلّ يمكن الولايات المتحدة انتهاجه، معتبراً أنه يمكنها أن «تمارس تأثيراً حقيقياً على القوات السعودية والإماراتية، من خلال إيقاف التزوّد بالوقود أثناء الطيران لطائرات التحالف». كذلك، رأى أنه «يمكنها أن تسحب المستشارين العسكريين الأميركيين من مراكز القيادة السعودية في الرياض. وفوق كل ذلك، يمكنها أن توقف بيع الأسلحة الأميركية للسعودية».

عمل وحشي، نفاق... ونتيجة كارثية
في صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، أكد الكاتب باتريك كوكبرن أن «التذرّع بالقلق حيال اليمن، من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تفوح منه رائحة النفاق». وقال: «يذرفون دموعاً غزيرة على ضحايا الحرب، في الوقت الذي يقومون فيه بتوريد الأسلحة والمستشارين، الذين يجري من خلالهم شنّ هذه الحرب».
«إدارة ترامب مذنبة بالقيام بالعديد من الأفعال الوحشية المتعمّدة»، أضاف كوكبرن، الذي أشار إلى الدور الأميركي من خلال «الحكم بالإعدام المحتمل الذي جاء في بيان مقتضب من قبل وزير الخارجية مايك بومبيو». وقال الكاتب إن هذا الأخير «أعطى فعلياً الضوء الأخضر للإمارات من أجل شن هجومها على الحديدة»، مضيفاً أن «حرص المسؤولين الأميركيين على تجنّب اتهامات بالتواطؤ في الهجوم على الحديدة، يعد مؤشراً على أن النتيجة يمكن أن تكون كارثية».

مفاقمة أسوأ أزمة إنسانية!
حاور موقع «ذي إنترسبت» الأميركي مجموعة من المسؤولين السابقين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وخبراء في الشأن الإنساني. وقد وصف عدد كبير منهم الهجوم على اليمن، بأنه «فشل ذريع للولايات المتحدة في تقييد شركائها في التحالف الذين يعتمدون بشكل كبير على الأسلحة والاستخبارات الأميركية، إضافة إلى الدعم اللوجستي». هؤلاء رأوا، في سياق تحليلهم للعلاقة الأميركية ــ الخليجية الحالية، أن الهجوم يعدّ إشارة إلى أن واشنطن «تسمح لحلفاء مثل السعودية والإمارات، باتخاذ القرارات المتعلّقة بسياستها في اليمن».
«العدوان الإماراتي على الحديدة هو مثلٌ آخر على استعانة إدارة ترامب بالخليج في إطار السياسة اليمنية ــ وفي سياسة المنطقة بنحو أكبر»، قالت الناشطة في إحدى المجموعات الإنسانية كايت كيزر.
بناء عليه، أشارت كيزر إلى أنه «خلال عهد ترامب، وبدل منع الهجوم، أصدر وزير الخارجية مايك بامبيو بياناً ضعيفاً يعطي الإمارات الضوء الأخضر لاحتمال قتل مئات آلاف الأشخاص، من دون استراتيجية سياسية أو هدف».