نجحت قناة «المنار» في اجتذاب مشاهدين لمسلسلها الجديد «بوح السنابل» (كتابة فتح الله عمر، وإخراج محمد وقاف) من خارج «البلوك» الملتزم بمتابعتها سنوياً. فعلت ذلك عبر استباق البرمجة الرمضانيَّة التي بدأت الخميس الفائت على معظم المحطات، وعرض الحلقة الأولى منه يوم الأربعاء. تدور الحكاية حول أحد مسؤولي المقاومة جواد ابراهيم (عمَّار شلق) من بلدة عيتا الشعب الجنوبيَّة، وزوجته الدكتورة كوثر علي (فيفيان أنطونيوس). يكتشفان أنَّ علي (ربيع الحاج) الذي ربَّياه طوال سنوات ليس ابنهما، بعد حصول خطأ في المستشفى نتج منه تبديل المواليد. هنا، يبدآن رحلة البحث عن عائلته الحقيقيَّة وابنهما الضائع. تجري الحكاية بالتوازي مع صراع بين استخبارات العدوّ وأمن المقاومة محوره تجنيد العملاء وملاحقتهم وكشفهم وإحباط عمليَّاتهم الإجراميَّة قبل تنفيذها. إحدى هذه العمليات محاولة اغتيال جواد وعلي بتخطيط من العميل سامي هلال (حسن فرحات) الفارّ إلى كيان العدوّ منذ التحرير عام 2000، انتقاماً منهما لتسببهما في إصابته بعاهة دائمة.
يقدَّم مجدي مشموشي أداءً مبهراً في دور التاجر البخيل «كريم»

بدا من الحلقات الأولى أنَّ الكاتب استطاع تقديم قصَّة مشوّقة تعبّر بصدق عن أحوال مجتمع المقاومة من دون أن تحرم المشاهد حقه في الاستمتاع والترفيه. وإن كان قد نجح في خلق الأسئلة في ذهن المشاهد مبكراً، فهو لم يصل إلى مرحلة «التعجيز» و«الغموض المفتعل»، ويتجلى ذلك في حرصه على الكشف عن خطوط العمل تباعاً والتدرّج في تقديم الشخصيات حلقة تلو أخرى كي يسهل على المشاهد «هضمها» والدخول في أجواء المسلسل بسلاسة. كما تمكن من كسر حدَّة الحدث الدرامي بشخصيات طريفة ومواقف فكاهيَّة، ما جعل بعض المواقع الفنيَّة تصنف العمل كوميدياً خلافاً للواقع.
لا يمكن محاكمة رؤية محمد وقاف الإخراجيَّة من دون أخذ الإمكانات المتاحة له في الاعتبار، فالمركز يصرّ على تقديم عمل رمضانيّ سنويَّاً لمشاهديه، بسويَّة فنيَّة مقبولة، رغم كلّ الظروف التي لم تعد كما كانت أيَّام «الغالبون». يعاونه في ذلك فريق عمل يكاد يكون ثابتاً من الفنانين «المخلصين» في الكتابة والتمثيل وغيرهما. ينضمّ إليهم كلّ مرَّة مخرج «مغامر» يبحث عن فرصة للإطلالة على جمهور جديد. إلا أنَّه يمكن الحديث عن بصمة خاصَّة لوقاف يسهل لمسها لمن يتابع مشهداً واحداً من المسلسل.
وبالحديث عن أداء الممثلين، يمكن القول إنَّ أحمد الزين تفوَّق على نفسه في دور الجدّ الظريف «أبو جواد» وقدَّم أحد أفضل أدواره على الشاشة الصغيرة، وستبقى عباراته التي يكررها كلازمة على ألسنة المشاهدين فترة طويلة. كما قدَّم مجدي مشموشي أداءً مبهراً في دور التاجر البخيل «كريم» شقيق جواد، ونجح في ابتداع كاركتير ملفت بمساعدة فريق الماكياج الإيراني الذي كان كفيلاً بمنع المشاهدين من التعرّف إليه لولا اسمه في شارة العمل. أما عمَّار شلق وفيفيان انطونيوس، فقد كان أداؤهما هادئاً إلى حدٍّ لامَسَ البرودة. ولعل لذلك ما يبرره، وهو ما يستلزمه الدَوْران من رصانة ووقار يطبعان شخصيَّة مسؤول أمنيّ في المقاومة وزوجته الطبيبة. علماً أنَّ شلق تخلّص نسبيَّاً من الإفراط في مطّ كلماته، محاولاً تقليد اللهجة الجنوبيَّة، وغدا أكثر إقناعاً. وكان ربيع الحاج مقنعاً في دور ابنهما الأكبر علي، في أوَّل إطلالة له بعيداً عن المخرج أسامة الحمد الذي كان له الفضل في اكتشافه وإطلاقه. أمَّا الابن الثاني حسن، الرياضي والأكول ودائم الانفعال حين يتعلق الأمر بحبيبته مريم (ستيفاني عطالله) ابنة عمّه كريم، فلم يكن سهلاً على المسؤولين عن الكاستينغ العثور على «ممثل كبير في سنّ صغيرة» يعطي هذا الدور المحوريّ حقه. إلا أنَّ حسين فنيش حقق المطلوب منه وأكثر، رغم كونها تجربته الأولى. وسجَّل مهدي فخر الدين الغائب لسنوات عن أعمال «مركز بيروت الدولي للإنتاج» منذ مشاركته في «ملح التراب» (2014 ـــ كتابة جبران ضاهر وإخراج أياد نحاس) عودةً موفقة أظهرت نضج تجربته بعد مشاركته في عدد كبير من الأعمال اللبنانيَّة والسوريَّة طوال هذه الفترة. كما يطلّ في العمل كلّ من: مازن معضّم، اليسار حاموش، علي سعد، رينيه غوش، حسام الصبّاح، آلان الزغبي، وليد سعد الدين، آغوب دوجرجيان، محمد شمص، هند خضرا، فاطمة بزي، وسارة قصير.
يمكن اعتبار التعاون مع شاعرَين ومنشدَين مختلفَين في كلّ من شارتَي البداية والنهاية، دليلاً على العقلية «التوافقيَّة» التي تدار بها الأمور في المؤسسات «الملتزمة». عقلية تهدف إلى إرضاء أكبر عدد من المبدعين «المنضوين في هذا الخط»، وهو ما لا يمكن أن يكون إلا على حساب الفن!
ويبقى السؤال مشروعاً عن سبب إصرار القائمين على «مركز بيروت» على الأسماء الإنشائيَّة البعيدة تماماً عن مضامين الأعمال، من «ملح التراب» و«درب الياسمين» إلى «بوح السنابل». علماً أنَّ حشر هذه الكلمات في الشارة لا يعوّض إسقاطها بالمظلة على «العمل».
كيف سيتعامل جواد مع كلّ الضغوط التي تبدأ بإصابة والده بمرض عضال، وصولاً إلى اكتشاف حقيقة ابنه، ولا تنتهي بمكائد شقيقه البخيل والطمَّاع، في ظلّ تسارع الأحداث على المقلب الآخر المتعلق بعمله الأمني في المقاومة؟ وهل ستبوح «ريم» ابنة سامي هلال (ماري تيريز معلوف) لشقيقها إيهاب (نيكولا مزهر) بالسرّ الذي يؤرقها؟ وما هو السرّ الذي يخفيه الأخير بدوره عنها؟

* «بوح السنابل»: يوميَّاً 21:30 على «المنار»