عادةً، يخاف الفنانون والمبدعون والمثقفون في بلادنا من التعرّض للرقابة الرسمية أو الدينية أو الأمنية أو السياسية، والأمثلة كثيرة على ذلك طبعاً. لكن هذه المرّة، استخدمت «آي تيونز» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التابعة لشركة «آبل» الأميركية، هذا «السلاح» لقصف فرقة «الراحل الكبير» اللبنانية. المنصّة الآتية من «العالم الحرّ» الذي يدّعي الديمقراطية ويُفترض أنّها تدعم حرّية التعبير وتساعد في الترويح للفن المستقل عبر الإنترنت، قرّرت حذف ستّ أغنيات من الألبوم الأوّل للفرقة الذي يحمل عنوان «لا بومب»، والصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 (الأخبار 29/11/2016). هذا ما أعلنته المجموعة التي تأسّست عبر جلسات موسيقية في منزل خالد صبيح في عام 2013 في بيان مقتضب نشرته، أمس على صفحتها الرسمية على فايسبوك. علماً أنّها تتألف من صبيح (كيبوردز)، وعبد قبيسي (بزق)، وعلي الحوت وأحمد الخطيب (إيقاع)، وسماح بو المنى (أكورديون)، ونعيم أسمر وساندي شمعون (غناء)، إضافة إلى عماد حشيشو الذي كان يتولّى العزف على العود قبل رحيله في آذار (مارس) الماضي إثر تعرّضه لحادث سير (الأخبار 10/3/2018).
الاكتفاء ببثّ ألبومها الأول عبر المنصة الدولية

بعد أسابيع من المراسلات بين منصّة «مستقلّ» التي تتولّى التسويق الرقمي والإلكتروني للألبوم و«أي تيونز»، ارتأت الأخيرة حذف 5 من أصل 13 عنواناً (غالبيتها خاصة من كلمات صبيح وألحانه وتوزيعه)، وهي: «مولد سيدي البغدادي»، و«جنّ الشعب»، و«دونت ميكس»، و«خطاب مهم»، و«قمت طلعت مع الناس». أما الذريعة، فبحسب الرسالتَيْن الإلكترونيتَيْن اللتين تعودان إلى 15 و17 نيسان (أبريل) الماضي، فهي أنّ الأغنيات السابق ذكرها «تتعارض مع سياسات الشركة ومعاييرها»، لكونها «لا تلائم طبيعة المنطقة، أو ذات محتوى وتأثيرات سياسية أو دينية، أو أنّها ساخرة ». هذا فضلاً عن أغنية «لحاليح» لأحمد عدوية بتوزيع جديد، إمّا لأسباب تتعلّق بالملكية الفكرية، أو لأنّها استعادة لأغنية معروفة وليست نسخة أصلية. واقترح الـ «إيميل» الأخير حذف الأغنيات الست من الألبوم، ليتمكّن فريق العمل من إعادة تقييم المحتوى والبتّ في إمكانية نشره. كلام وصفته الفرقة بـ «السوريالي»، وأكدت أنّها بالتشاور مع «مترو المدينة» (منتج الألبوم) ستمتنع عن بثّ كل أغنيات «لا بومب» على «آي تيونز» الشرق الأوسط شمال أفريقيا، مكتفية بالمنصّة الدولية، لأنّ «الذي فينا من الرقابة يكفينا».
في اتصال مع «الأخبار»، يكرّر صبيح ما جاء في البيان حول سخرية الأعمال موضع الخلاف من «التطرّف الديني، والاستبداد السياسي، والأحكام العسكرية، وغيرها من مظاهر الشقاء العربي»، مشيراً إلى أنّها حظيت بانتشار وشعبية واسعَيْن على الأرض كما على السوشال ميديا، داخل البلاد وخارجها، ولا سيّما في الحفلات التي أحيتها «الراحل الكبير» خلال عروضها العربية وجولتها الأوروبية الأخيرة، «من دون أن نواجه أي مشكلة أو اعتراض أو تضييق من أحد». ويستشهد خالد بالجمهور الذي يحضر السهرات في «مترو المدينة»، قائلاً: «هؤلاء آتون من مناطق وأطياف مختلفة ولهم انتماءات فكرية وسياسية وحزبية وعقائدية منوّعة، نتناولها جميعاً في أغنياتنا من دون استثناء. ولا أحد يواجه المضمون بسلبية، أو يشعر بأنّه مستفَزّ. لا أعرف حقيقة ما هي المشكلة!».
حادثة تدعو إلى الاستنكار من دون شك، وتطرح تساؤلاً عن حقيقة الأسباب التي اعتبرت «آي تيونز» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنّها موجبة للإقدام على هكذا خطوة. فكيف لجهة رفضت نشر محتوى «سياسي» أن توافق على أغنية «وتفجّرت» مثلاً، التي تتناول النظام السوري بنحو مباشر وواضح؟ وأكثر من ذلك، أليس الفن شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي وتسجيل المواقف؟!