تونس | ثلاث عشرة ساعة سفر من دمشق مروراً ببيروت وصولاً إلى طبرقة في شمال غربي تونس، ومنها ساعة ذهاباً وأخرى إياباً إلى غابات «عين دراهم» الساحرة، التي اختارها المخرج السوري الليث حجو مع «رأس أنجيلا» على شواطئ بنزرت؛ كموقعين رئيسَيْن لتصوير أحداث مسلسل «الواق واق» (تأليف ممدوح حمادة، وإنتاج شركة «إيمار الشام») لموسم دراما 2018.
أنهى حجوّ تصوير المسلسل في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) بعد91 يوماً، لم يقطعها سوى استراحات قصيرة، معظمها لإتاحة الوقت أمام فريق العمل ليتابع مشوار منتخب سوريا لكرة القدم في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018، أو بسبب تقلبات الطقس. وعدا ذلك كانت أيام التصوير الفعلية الـ75 أشبه بمعسكر حقيقي، ضمن برنامج صارم يمتد لأكثر من 12 ساعة يومياً، إذ تتطلب معظم المشاهد وجود الممثلين الـ 17 المشاركين في العمل معاً، وربما شكّل ذلك سبباً إضافياً لاختيار المخرج لهذا المكان البعيد للتصوير، بما يحول دون ارتباطهم بأعمالٍ أخرى. هذا إلى جانب السبب الأساسي الذي يحقق فرضية المسلسل: «مجموعة من المهاجرين تغرق سفينتهم قبالة جزيرةٍ نائية، سيبنون عليها مجتمعهم أو وطنهم الجديد، بعد تراجع آمالهم بأن يعثر عليهم أحد مادّاً إليهم يد المساعدة».
خلال زيارتها لموقع التصوير في «عين دراهم» في مطلع الشهر الفائت، قوبلت «الأخبار» بترحيب حار من الطاقم الفني الذي ينتشر كخلية النحل بين العربات المخصصة للملابس والماكياج والمطبخ، وخيمتي الطعام، واستراحة الممثلين. استمهل هؤلاء حماسنا قليلاً لنشرب فنجان قهوة ساخنة يخفف لسعات برد الخريف الصباحية، قبل أن نعبر شارعاً هادئاً تماماً إلا من أصوات الممثلين على الجهة المقابلة.
«درّة الزبد. ترحب بكم»؛ عبارة معلّقة على لوح خشبي بين شجرتي صنوبر باسقتين، توقفنا عندها قليلاً مخففين من صوت وقع أقدامنا على أوراق الخريف التي تفرش أرضية الغابة. هذه العبارة كانت بوّابة العبور بين العالمين الحقيقي والافتراضي الذي ولجنا إليه للتو، حيث تدور أحداث العمل في قرية من الأكواخ الخشبية أبدعتها مخيّلة مهندس الديكور علاء صبري.
صمت الوهلة الأولى الذي جال بها بصرنا أرجاء المكان، كان كفيلاً بفتح أبواب ذاكرتنا على ذلك الموروث السحري لحكايات طفولتنا: «فلونة»، و«روبنسن كروزو» في عزلته، وطواحين «دون كيشوت»... لكن حالما بدأنا بالتقاط مفردات الحوار بين شخصيات «الواق واق»، بدأنا بإدراك هذا التقاطع بين واقعية ما يتحدث عنه العمل، وافتراضية أحداثه. أحداث تحاول الإجابة عن سؤال جوهري يطرحه الكاتب ممدوح حمادة حول مدى قدرتنا كشعوب عالم ثالث على إعادة بناء مجتمعاتنا بصيغة جديدة، إذا تسنّى لنا ذلك؟!
تلوح لنا ابتسامة الليث حجو مرحّباً بنا من وراء المونيتور، بينما نستمتع بمراقبة اشتغاله على أدق التفاصيل مشهداً تلو الآخر. تمرّ الساعة تلو الأخرى وفريق العمل يستطيع بالكاد التقاط أنفاسه، إلى أن يحين موعد استراحة الغداء، حيث أصبح بالإمكان بدء الحديث مع المخرج والممثلين، بعد تناول أطباق مميزة أشرف على طهوها طبّاخان سوري وتونسي.

ساعات عمل طويلة على مدى 91 يوماً انتهت قبل أيام

افتتحنا حديثنا مع مخرج «الواق واق» بالسؤال: لماذا يختار الليث حجو الأصعب دائماً؟ في إشارة إلى بعد مكان التصوير وصعوبة الوصول إليه، والتساؤلات المثارة حول اختياره لهذه المواقع تحديداً بتونس، والتي تبدو متوافرة في جبال الساحل السوري وغاباته؟!
في إجابته عن سؤالنا، قال الليث: «العمل الجيد يستحق هذا الجهد، والنص الذي قدّمه ممدوح رائع، فتح أمامنا باب الخيال، وجعلنا مستفزّين للبحث عن حلول بصرية موازية، تُعنى بأدق التفاصيل». وأعاد تأكيد تصريحاته السابقة منذ انطلاقة العمل، بأنّ خياره لمواقع التصوير أتى بعد «عملية استطلاع امتدت لأربعة أشهر شملت الشواطئ السورية واللبنانية، من صيدا جنوباً إلى أنطاكيا في أقاصي شمال الساحل السوري».
مع مغيب الشمس، يعود حجو مع المخرج المنفذ فراس إبراهيم والـ D.O.P نزار واوية إلى موقع تصوير القرية، للبدء بتحضير المشهد الليلي التالي، بينما كنا ننقل نظرنا بين عربتي الماكياج (تصميم ردينا ثابت) والملابس (تصميم حكمت داوود)، نراقب الاشتغال المتقن على التفاصيل، وننتظر الفرصة لاقتناص دردشة قصيرة بحسب ما يسمح الوقت.
نسمع رنين أوسمة المارشال «عرفان الرقعي» القادم إلينا بكامل أبّهته. يبدو النجم رشيد عساف مختلفاً تماماً في هذا الدور عن كل ما قدّمه سابقاً خلال مسيرته الفنية. يتحدث لنا عن طبيعة شخصيته بالعمل قائلاً إنّها «تدعو لتحديد اتجاه البوصلة من جديد، فهذا الرجل المكسور الذي وجد نفسه هنا فجأة، يسعى لتحقيق انتصارات على مجموعة تبحث عن خلاص، أو وسيلة للتعايش، أو خلق حياة جديدة فيها قدر كبير من الكرامة، ولديه نوع من اليقين بأنّ الكل سيرجع إليه في اللاوعي، وهذا ما سيحدث بالفعل لأنّه يمثل منطق القوة... قوة الرمز».
يختصر بطل «الخربة» رؤيته للمسلسل بأنّ «الكوميديا تغلفّ مقولات «الواق واق» الكبرى. فالعمل إنساني بامتياز، ويحمل دعوة لإعادة التفكير بطبيعة العلاقات التي تحكم حياتنا على مختلف الأصعدة، لكنّه سيكون موجعاً بالنسبة للمشاهد، وربمّا سيشعر بحجم انتقاص القيمة الذي عاشه لفترة طويلة».
بشاربيه الدقيقين وبدلته ناصعة البياض؛ يطل علينا باسم ياخور متقمصّاً دور «كابتن طنوس.. سيخ البحر» الشخصية التي يجسدها في «الواق واق»، وندردش معه بسرعة حول رؤيته للعمل الذي شهد اكتمال ملامحه بدءاً من النسخة الأولى للسيناريو قبل ثلاث سنوات تقريباً. يؤكد النجم السوري أهمية الفكرة، و«تماسّها الحقيقي مع الواقع العربي الذي نعيشه اليوم، إذ يرصد مصائر شخصيات هربت من واقعها بحثاً عن مجتمع جديد مختلف تسوده الحريّات، أو كيان ديمقراطي، لكن هؤلاء الباحثون عن الديمقراطية، يتحولون إلى شيء ما غير متوقع على الإطلاق». يرمز «الكابتن طنوس» بحسب ياخور إلى حالة الفساد التي تسود مجتمعاتنا، فهو القبطان الذي «أغرق السفينة وهرب منها، ليواصل سلوكه الفاسد في المجتمع الجديد الذي تشكّل على هذه الجزيرة الصغيرة».
أما المحامية «سناء زبلطاني» التي تؤديها النجمة شكران مرتجى، فيمكن أن تشاهدها في «القصر العدلي في سوريا، أو في مجمّع ميدان التحرير في القاهرة، أو في أي بلد عربي آخر». لكنّها «شخصية جديدة تماماً» بالنسبة لشكران التي وصفت نص حمادة بأنّه «غني جداً، ومن العيار الثقيل، فكل جملة في الحوار محسوبة، ولا مكان للارتجال أبداً، وحالة الترقب للعمل تضعنا أمام مسؤولية كبيرة».
نختتم حديثنا السريع مع شكران مرتجى التي قابلتنا بحفاوتها المعتادة، ونحضر آخر مشهدين شهدنا تصويرهما في ربوع «الواق واق»، قبل أن نرافق فريق العمل إلى نزل إقامتهم في طبرقة، بعد عناء يومٍ طويل، بينما تتلاشى ملامح «عين دراهم» الغارقة في سكون الليل.
وتبقى ببالنا صورة المجتمع الافتراضي الذي بناه شعب «درّة الزبد» التي ستكتمل أمام عيون المشاهدين في رمضان المقبل، حيث سيكونون على موعدٍ مع يوميات «المارشال عرفان»، و«كابتن طنوس»، و«سناء زبلطاني»، إضافة إلى «وديع وصفا» (أحمد الأحمد ومحمد حداقي)، و«د. سماهر» (رواد عليو)، و«معيط» (جرجس جبارة)، و«أبو دقور» (جمال العلي)، و«رشوان» (شادي الصفدي)، و«عبدو غلاصم» (حسين عباس)، و«رشوان» (شادي الصفدي)، و«سوزان وتيسير» (مرام علي ومصطفى المصطفى)، و«وراطان وبتول» (أنس طيّارة ونانسي خوري)، و«الطبّاخ فارس» (وائل زيدان)، و«ولاتو» (طلال الجردي).