على الطريق من الغوطة الشرقية إلى دمشق، ممّر إجباري، هو حي «جوبر»، وهو ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم بعد «خيبر»، قبل «الفتح» الإسلامي. هذا في كتب التاريخ، أما في نشرات الأخبار، فإن «جوبر» هو الاسم الأكثر تداولاً، كونه آخر معاقل المعارضة المسلحة في العاصمة السورية، و«خط تماس» ملتهباً بين أطراف الصراع. يضم الحي أقدم كنيس يهودي، وأقدم نسخة من التوراة في العالم، ومقام النبي «إلياهو»، قبل أن تتعرض هذه المعالم للتدمير والنهب، بعد خروج الحي عن سيطرة الدولة السورية قبل نحو أربع سنوات.
عند خروجك من «جوبر»، لا بد من المرور بساحة العباسيين، وأحياء القصاع وباب توما وباب شرقي، وبإمكانك بعدها وفي بضع دقائق الوصول سيراً على الأقدام إلى شارع «الأمين». هناك تستقبلك حارة اليهود المعروفة بـ «طالع الفضة»، المعقل التاريخي لليهود في دمشق القديمة.
تتحدث بعض الوثائق عن وجود نحو 30 ألف يهودي في سوريا حتى منتصف القرن التاسع عشر، وكان الإعلان عن قيام ما يعرف بدولة «إسرائيل» عام 1948 نقطة تحوّل في تاريخ يهود الشام، إذ أجبر معظمهم على الخروج من سوريا، وفيما ذهب المئات منهم فقط إلى الكيان العبري، فضّل الآلاف منهم الاستقرار في الولايات المتحدة وأوروبا.
وكانت الهجرة الأخيرة لليهود من سوريا في العام 1993، حيث خرج أكثر من 2500 منهم، وبقي في دمشق العشرات من اليهود، معظمهم من المسنين.
«يهود سوريا» الذين فرقّهم الواقع، جمعهم العالم الافتراضي في صفحة على «فايسبوك» تضم أكثر من 27 ألف شخص حتى الآن، وتقول الصفحة الرسمية للطائفة الموسوية اليهودية في سوريا، إن اليهود جزأ لا يتجزأ من نسيج المجتمع الدمشقي.
مدير صفحة «يهود سوريا» صموئيل صهيون، يهودي من دمشق، يتكلم العربية والعبرية، يقول إنه مؤيد للسلام في جميع أنحاء العالم، ويقف بشكل مطلق ضد ما يعرف بدولة «إسرائيل»، ويتكلم بحسرة عن الظلم الذي تعرض له معظم اليهود في سوريا، نتيجة الخلط بين الديانة اليهودية والحركة الصهيونية، و«إسرائيل» التي تحتل فلسطين.
ولا يخفي صهيون تأييده للرئيس السوري بشار الأسد، ويرى أن الحكومة السورية «علمانية» وتحمي جميع الطوائف.
ويبدو هذا التأييد واضحاً من خلال منشورات الصفحة، التي تضع العلم السوري صورة لها منذ إنشائها قبل أربع سنوات، وتنشر بشكل شبه يومي منشورات داعمة للرئيس الأسد والجيش السوري.
وفي الوقت ذاته، تهاجم الصفحة الفصائل المسلحة، التي تتهمها بالتشدد الإسلامي وتدمير المعابد اليهودية في سوريا، ومنها كنيس «جوبر»، وترى أن وصول «الإسلاميين» إلى السلطة في سوريا يشكل كارثة للجميع.
وتثبت الصفحة في مقدمتها منشوراً حول طريقة اعتناق الديانة اليهودية، وتؤكد أنها ترفض طلب أي شخص، إذا كان هدفه الوصول إلى «إسرائيل»، كما تنشر تعاليم الديانة اليهودية، وتحتفل بالمناسبات الدينية، وتشرح الرموز الدينية لليهود.
ويرفض القائمون على الصفحة استخدام مصطلحات كـ «شعب الله المختار»، ويقولون إنهم لا يقفون ضد الأديان الأخرى، ويستخدمون عبارات إسلامية ومسيحية في منشورات الصفحة.
يقول أحد المعلقين على الصفحة إن من يدّعي بأن «إسرائيل» تمثّل الديانة اليهودية كمن يقول إن تنظيم «داعش» يمثّل دين الإسلام.
وللمفارقة، فإن غالبية سكان حارة اليهود في دمشق حالياً هم من العرب الفلسطينين، الذين هربوا من الاحتلال الإسرائيلي.
روايات كثيرة قيلت عن يهود سوريا، منها الخيالي، ومنها الحقيقي، ولكن كتب التاريخ تشهد أنهم جزأ لا يمكن إلغاؤه من الحضارة السورية.

ومع انتهاء وجود اليهود تقريباً على أرض الواقع في سوريا، لا تزال الأقفال والسلاسل الحديدية على أبواب بيوتهم المهجورة في حارة اليهود، بينما يعيش معظمهم على أمل العودة.