بعد أيام من إطلاق «أكبر جريدة في العالم» على واجهة أحد الفنادق في دمشق، عاد الحديث عن حرية الصحافة والإعلام إلى الواجهة من جديد، لكن من بوابة مجلس الشعب هذه المرّة. شهدت أروقة البرلمان السوري، أخيراً «جلسة حامية» على خلفية بوست نشره المذيع في راديو «سوريانا» الحكومي، غيلان غبرة، على فايسبوك يتحدّث عن طلب وزير العدل السوري، هشام الشعار، من مجلس الشعب رفع الحصانة عن عضوَيْه زكوان عاصي ومحمد قبنض، على خلفية دعاوى قضائية تتعلّق بقضايا فساد.
الخبر الذي تداوله روّاد مواقع التواصل الإجتماعي بكثافة، أكّده الشعار، لكنّه قال إنّ الوزارة لم تتمكن من اتخاذ أي إجراء قضائي بحق العضوَيْن المذكورَيْن، لأنّ مجلس الشعب لم يوافق على رفع الحصانة عنهما.
من جهته، اعتبر محمد قبنض، رجل الأعمال ومالك شركة «قبنض» للإنتاج والتوزيع الفني، أنّ هذا الإجراء تسبّب له بـ «إحراج كبير وأساء لسمعته كعضو في مجلس الشعب».
كالعادة، كان الإعلام «الحلقة الأضعف»، حيث رفع قبنض دعوى ضد غيلان غبرة، بتهمة «التشهير والإساءة»، كونه أوّل من نشر الخبر على حسابه الشخصي على «الموقع الأزرق». وعبّر قبنض تحت قبة المجلس عن استهجانه لما نشره غبرة، واتهمه بـ «القدح والذم والتشهير من دون وجه حق أو وثائق»، مطالباً بـ «ضرورة القصاص منه، كونه يتجنى على إنسان وطني»، ثم صرخ قائلاً: «أنا وطني ابن وطني، وأنا الوطن بذاته!».
بعدها، توعّد رجل الأعمال السوري بملاحقة «كل من شهّر به من إعلاميين وصفحات تواصل اجتماعي»، من خلال القضاء، وفرع مكافحة الجريمة الإلكترونية التابع للأمن الجنائي. وبالفعل، تحرّك مجلس الشعب، أخيراً بمباركة الرئيس المؤقت للمجلس المخرج نجدت أنزور، وطلب من وزارة العدل تحريك دعوى بحق غبرة بسبب ما أسماه «الإساءة للأعضاء، وذكر ألفاظ نابية بحقهم واتهام بعضهم بأنهم شبيحة».
وادّعى محمد قبنض أنّ القضية الحقيقية لا تتجاوز دعوى رفعها المحامي الحلبي أكرم عزوز ضدّه، وضد غيره من القائمين على مسلسل «باب الحارة»، بتهمة إساءة المسلسل لأبناء مدينة حلب السورية، والتعامل مع دولة «معادية» عبر شبكة mbc السعودية. لكن قبنض تنصّل من المسلسل، مؤكداً أنّه لا علاقة له بالجزءين الأخيرين، رغم حصول شركته على حقوق إنتاج النسختين العاشرة والحادية عشرة، متهماً الحلبي بأنّه يسعى «وراء الشهرة».
في المقابل، شدّد غيلان في حديث مع «الأخبار» على أنّ «الصلح كان سيد الأحكام، حيث طويت صفحة الخلافات مع قبنض، باتفاق مصالحة في فرع مكافحة الجرائم الالكترونية في دمشق». أما محمد قبنض، فقال إن ما حصل كان عبارة عن «سوء تفاهم»، قبل أن يتوجّه الطرفان إلى مكتب رئيس «اتحاد الصحافيين في سوريا» موسى عبد النور، بحضور مدير إذاعة «سوريانا» وضاح الخاطر، حيث تم تثبيت المصالحة وطي الصفحة، واتفق الطرفان على أن التعليقات على السوشال ميديا هي التي «أزّمت الموقف وصعدّت الخلاف».
غير أنّ غيلان غبرة يعتبر أنّ مؤسسته الإعلامية خذلته، كونها لم تمدّه بالدعم القانوني أو حتى المعنوي، فيما حرص الجميع على «تخبئة رأسه». حتى أن وزارة الإعلام أوقفت برنامجه الخدمي الاجتماعي للمرّة الثانية «إلى أجل غير مسمى»، بسبب منشور على صفحته الشخصية لا يمثل رأي الإذاعة التي يعمل لديها. ويضيف غبرة ساخراً أنّ الإعلام السوري تحوّل إلى «ممسحة»، مهمته «إرضاء الجميع وتلميع صورة المسؤولين».
هذه ليست المواجهة الأولى للبرلمان السوري مع الإعلام، إذ سبق مثلاً لرئيسة المجلس «المعزولة»، هدية عباس، أنّ هدّدت مباشرةً بـ «محاسبة ومعاقبة كل من يسيء لأعضاء البرلمان». يذكر أنّ قانون الإعلام السوري الذي صدر في عام 2011 يتضمّن بنوداً صريحة تتحدّث عن حرية الإعلام، وضمان حرية التعبير للصحافيين، الذين يؤمن لهم القانون الحماية وعدم التعرض لمضايقات من قبل السلطات. إلا أنّ معظم العاملين في «مهنة المتاعب» في سوريا يقولون إن هذا القانون لم يطبّق على أرض الواقع ولا يزال حبراً على ورق! علماً بأنّ سوريا احتلت المرتبة 177 من أصل 180 دولة، حسب «مؤشّر حرية الصحافة» للعام 2017 الذي أصدرته قبل فترة منظمة «مراسلون بلا حدود».