القاهرة | قبل خمسة أشهر من الذكرى الخامسة لـ «ثورة يناير»، انضمّ عادل إمام أخيراً إلى الثورة التي التزم الصمت حيالها كمواطن مصري، وتذكّرها كممثل في مسلسله «أستاذ ورئيس قسم» (إخراج وائل إحسان وتأليف يوسف معاطي) الذي يعرض على قناتي «mbc مصر» و mbc. القاعدة تقول بأنّ الجمهور مُطالب بالفصل بين الشخصية التي يؤديها الممثل على الشاشة، وحياته كمواطن عادي بعيداً من الأضواء. هذه القاعدة يذكّر بها النقاد والنجوم الجمهور كلّما اختلط عليه الأمر. يظنّ الجمهور دائماً أن الممثل صاحب أدوار الشرّ مخيف في الواقع، ويعتقد أنّ الممثل الكوميدي سيضحكه لو قابله عند إشارات المرور.
لكن بما أنّ لكلّ قاعدة استثناء، فليس ممكناً متابعة شخصية فوزي جمعة في «أستاذ ورئيس قسم» من دون فصلها عن المواقف السياسية لصاحب الشخصية أيّ إمام. بعد عرض حلقته السابعة، وصل المسلسل أخيراً إلى ميدان التحرير، لكنه ميدان مزيّف. ديكور تمّ بناؤه في «مدينة الإنتاج الإعلامي». لكن عين المتفرّج ستدرك أنه رغم المجهود المبذول من مهندس الديكور أمير عبد العاطي، فإنّ للميدان الحقيقي روحاً مغايرة لا يمكن تقليدها. وذاكرة أصغر متابع لا تحتفظ بصورة «الزعيم» في الميدان. كما أن إعادة تقديم الثورة في مسلسل من بطولة «الزعيم»، لا يمكن للجمهور المصري أن يمرّره مرور الكرام، بعدما خلط كل شيء في السياسة أخيراً. الكلّ يتابع ويُقارن بين ما حدث وقتها، وما يراه الآن على الشاشة. كل جملة تخرج من الأبطال كتبها يوسف معاطي بعناية، لكن أداء بطل «التجربة الدنماركية» (إخراج علي ادريس، وكتابة يوسف معاطي)، لم ينجح حتى الآن في إقناع الجمهور بأنه الأستاذ الثائر الذي طالب بإسقاط النظام في المسلسل. في السنوات العشر الأخيرة، لم يكن هو الذي قتل رجل الأعمال الفاسد في نهاية فيلم «الغول» (إخراج سمير سيف وتأليف وحيد حامد- بطولة إمام). بالتالي، عندما يخرج الآن في «أستاذ ورئيس قسم» ويُطالب بإزاحة النظام، لكن مع احترام جميع الفئات والحذر من الإخوان، فهو يريد إعادة إنتاج الثورة على طريقته هو.

أسقط العمل أغنيات
الشيخ إمام التي كانت تصدح
في الميدان

يعترف بها لكنه يقيّد صورتها في النمطية التي اعتادها في أفلامه الأخيرة، خصوصاً تلك التي كتبها معاطي. قبل الثورة، سخر إمام من الشخصية اليسارية، بالإضافة إلى المتشددين دينياً. وفي فيلمه «السفارة في العمارة» (إخراج عمرو عرفة) نموذج واضح على ذلك. بالتالي عندما يقدّم شخصية الأكاديمي اليساري، فلا يمكن أن تعبُر من دون وضعها تحت عدسة مكبّرة تحلّل كل عبارة وكل سلوك خارج عن الشخصيات اليسارية التي يكرهها معاطي. اليساري كما تراه أسرة المسلسل هو فقط الذي يجسّده امام. أما الباقون فهم إما مدّعون أو «حنجورية» أو ثائرون منفلتون لا يراعون خوف باقي طبقات الشعب من النزول إلى الميدان. هكذا قدّم الممثل المصري ومعاطي والمخرج وائل إحسان الثورة حتى الآن، فهل ستتغيّر الصورة لاحقاً؟ ربما، فالحلقات المتبقية أكثر من تلك التي تابعناها، لكن الأكيد أن إمام نفسه لم يتغيّر، وأن عبارة إسقاط النظام تتردّد على استحياء في حلقات ميدان التحرير، وأن الرئيس السابق حسني مبارك ما زال مسكوتاً عنه، ولا يذكره الأبطال على ألسنتهم سواء المنافقون الذين دانهم المسلسل أو الثوّار. مبارك الذي كان حديث الكلّ في ميدان التحرير، يرمز له بعبارة «النظام اللي لازم يتغيّر كلّه» من دون ذكر اسمه، أو ظهور اللوحات الساخرة منه في خلفية الميدان. حتى أن غالبية الهتافات لم يسمعها من شاركوا في الثورة الحقيقية، والأغنيات الحماسية لم تظهر سواء للشيخ إمام عيسى أو لغيره. كأنّ عادل إمام ومن معه أعادوا مونتاج الثورة وأخذوا مما حدث ما يناسبهم فقط. وتيرة يُنتظر أن يستمر عليها المسلسل بعد إسقاط مبارك والأحداث التي لا تزال تؤثر في المحروسة حتى اليوم.

* «أستاذ ورئيس قسم» يومياً 21:00 بتوقيت بيروت على قناة mbc و 18:45 على «mbc مصر»