من نافل القول إن Goal مريام كلينك المستجد الذي كان له وقع الكارثة الطبيعيّة على وطن العسل والبخور، نجح في بلوغ ذروة العقم والبلادة الذهنية وقلّة الذوق.
بل إن هذا الشيء الغريب الذي قدمته مع جاد خليفة، بلحن بائس فقير… وتجسيد مزيّف، كاذب، كاريكاتوري، لحالات الجنس والعلاقات الحميمة… وفقر مدقع في اللغة، وترميز غبي وسطحي لتفاصيل العناق… وتوظيف استعراضي أرعن واحتيالي للرغبة والإغراء… كل ذلك من علامات الانحطاط العربي الذي يجمع بين التسليع الذكوري للمرأة، وجهل الشهوة العميقة وآليّاتها وتجلياتها! والإنسان عدوّ ما يجهل، كما نعرف.
تحت طبقة سميكة من «الكيتش» الزهري هي بحد ذاتها اعتداء على الذائقة والخيال، يقوم «الديو» العبيط الذي يريد نفسه «متمرّداً»، بشتم الذكاء، وتزوير الرغبة الجنسية، وتدنيس فكرة الحريّة. هذه الحريّة التي ندافع عن أعلى سقف ممكن لها في مجتمعاتنا، فكريّاً، وإبداعيّاً، وسياسيّاً واجتماعيّاً… في الممارسة والسلوك، وعلى مستوى الحريات الشخصية والحياة الخاصة والحقوق الفردية.
يستحق الكليب تشريحاً دقيقاً في الشكل والمضمون: توظيف الديكور والألوان وحركات الجسدين والكلمات واللحن والتصوير. كل شيء فيه ينضح بالبرود الجنسي والعجز الذكوري واستغلال الكبت والقمع والقهر. «البيدوفيليا» الفعليّة في هذه المهزلة الكئيبة ليست الاستغلال الجارح لطفلة في خلفيّة المشهد، بقدر ما تتجلّى في حضور مريام كلينك التي تنظر إلى نفسها، في العمق، كأنّها طفلة الفيديو كليب. كلينك، هذه الظاهرة «الايديولوجيّة» الخاصة في جمهوريتنا العتيدة، تواصل تماهيها مع شخصيّة الدمية المتأخّرة عقليّاً. بحركاتها وبالطبقة الصوتية التي تستعملها، وباللفظ، وبالبراءة المصطنعة والأداء الساذج الذي يمسخ أشياء الطفولة، تمتلك النجمة البلاستيكيّة قدرة عالية على «الإثارة» في مجتمع تقليدي وذكوري مريض. ولا بدّ للمرء من أن يكون قد بلغ أحط دركات البؤس الحضاري والاستلاب الجنسي، كي يشعر (ولو للحظة) بالإثارة لدى مشاهدة كليب ميريام كلينك الجديد.
وإذا كان البؤس الحقيقي يتجلّى في قدرة الخبطة الكلينكيّة، على استقطاب جحافل المشاهدين ـــ المتلصصين. فإن ذروة البؤس والانحطاط، أن يكون هذا الشيء الأجوف قد هزّ أركان الجمهوريّة، وبات الشغل الشاغل للناس، في العالمين الافتراضي والملموس، في الإعلام والصالونات السياسيّة. بدا فجأة، وكالعادة في هذه الحالات (ما زلنا نذكر الزلزال الذي أحدثه «فيديو نيكول بلان» في عزّ الجمهوريّة الثانية)، أن خطباً جللاً يتهدد الأمن القومي، أو السلم الأهلي، ما استدعى تدخّل وزير الإعلام، ومن ثم وزير العدل، فالأجهزة القضائيّة والأمنيّة المختصّة. كويّس أن وزير الثقافة منشغل هذه الأيّام بـ «خطته الخمسية» لـ «النهوض الثقافي في لبنان»! هل هناك من يشرح لنا كيف تحوّلت الدولة اللبنانيّة العتيدة إلى وكالة إعلانات، تتولّى حملة الدعاية والترويج لـ «تشيتشولينا» اللبنانيّة؟ لا نملك إلا أن نتفاجأ أمام رد الفعل الرسمي على الكليب الذي بات قضية وطنية. كأن وزراءنا يخلطون بين دورهم في إدارة شؤون الدولة، ودور الخفير أو شرطي الأخلاق وحارس «الفضيلة». ألا تكفي الأجهزة القضائية والأمنية المختصة، وجمعيّات حماية الطفولة، لمعالجة تجاوزات فيديو كليب على «يوتيوب» إن وجدت؟
فيما يتواصل إفقار الناس وسرقة مقدرات البلد، وفيما يخيّم شبح الخصخصة التي وصل التبشير بها حتّى إلى المطارنة، وفيما يفوح نتن الحرب الأهليّة من التناحر على المقاعد والمغانم، لجمهور «بوس الواوا» (هيفا وهبي) و«شيلو» (جو أشقر) و«إلعب إلعب» (ماريا)… أن يتسلّى بهذه «القضيّة» الفكرية. مرّة جديدة نجحت أيقونة البلاهة السكسي في استدراجنا إلى ملهاة عبثيّة مضاعفة. وها نحن نتفرّج على «الدولة» تضع ثقلها لصدّ هجوم كلينك، دفاعاً عن شعب تغتصب حقوقه وتسرق ثرواته ويُجوّع من قبل الطبقة السياسية الساهرة على حماية أخلاقه. في جمهوريّة كلينكستان، الكل يستفيد على طريقته من بزنس الفضيحة: مرتكبها ومستهلكها ومكافحها. والكليب ما زال على يوتيوب طبعاً، لكن الويل لمن يشيّره أو ينشره!