غزّة | في زمن السوشال ميديا، لم يعد الفلسطينيون ينتظرون وسائل الإعلام للإضاءة على قضاياهم الحساسة المرتبطة بصلب قضيّتهم المركزية. وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي فسحةً وافرة لتظهير حنقهم على الخطّ السياسي الذي تنتهجه السلطة الفلسطينية، وخصوصاً حينما يتعلّق الأمر بتمرير لغتها الانهزامية إلى الأجيال الناشئة. صفحة من منهاج التربية الوطنية للصف التاسع، كانت كفيلة بإشعال الحرائق الافتراضية، لا سيّما أنّها تضم سلخاً صارخاً لفلسطينيي الداخل المحتل عن هويتهم الأصليّة.
تصدّر تلك الصفحة عنوان ممجوج معزول عن واقع الفلسطينيين الرازحين تحت وطأة اللحتلال الإسرائيلي: «الفلسطينيون في إسرائيل». بهذه العبارة مهّدت السلطة للعبة غسل أدمغة الطلبة وتجهيلهم. لعبة لا يمكن قراءتها إلا ضمن منظومة كاملة تحاول هذه السلطة بناءها لصناعة «الفلسطيني الجديد» القادر على تقبّل واقع الاحتلال وعدم التمرّد عليه. تلك العبارة كانت كفيلة بدفع كثيرين على السوشال ميديا إلى التشكيك بوضع العدو الصهيوني لمساته على المنهاج، خصوصاً أنّه لطالما دعا السلطة إلى التخفيف من نبرة الهجوم عليه في مواد المنهاج التعليمي، وتغييره بما يتلاءم مع سياسات الأسرلة والتهويد.
صناعة «الفلسطيني الجديد» القادر على تقبّل واقع الاحتلال

إذاً، عرفت السلطة مفاتيح اللعبة لتخريج جيل يشيح بوجهه عن أرضه وحقوقه. هكذا، صار الفلسطينيون في المنهاج مجرّد «وافدين» في أرضهم، ويشكلون عبئاً حقيقياً على «إسرائيل». شرعن المنهاج وجود الاحتلال وحوّله إلى دولة ذات سيادة تتكرّم على الفلسطينيين بـ«استضافتهم» في كنفها. صحيح أنّ تجزئة الأرض من قبل السلطة ليست وليدة اليوم، غير أنّ دسّ السم في العسل للناشئين يشي بتعويلها على هذه الشريحة ذات الوعي المحدود لضمّها إلى صفّها، وخصوصاً في مسألة الاعتراف فقط بأراضي 67 وإسقاط أراضي 48.
المضحك المبكي أيضاً أن مؤلّفي المنهاج دغدغوا مشاعر الطلبة بالاستشهاد من خلال قصيدة محمود درويش الشهيرة «على هذه الأرض»، في الصفحة نفسها التي تضيق ذرعاً بأراضي 48 وتعتبرها أراضي إسرائيلية خالصة. المفارقة أيضاً تكمن في أنّ السؤال الملغوم «ما اسم الأرض التي يتحدث عنها الشاعر درويش؟» سبق بسطرٍ واحد فقط محور «التحوّل السكّاني في إسرائيل». هذا الفصام الواضح دفع كثيراً من الطلبة إلى السؤال عن مقصد المنهاج الحقيقي في تحديد هوّية الأرض، فهل تريد السلطة أن تفصّل الأرض على مقاس تنازلاتها، لتكون الإجابة أنّ الأرض إسرائيلية من دون ذرّة تراب فلسطينية؟
أمّا النص الأكثر انهزاميةً فتجلّى في الاعتراف السافر بـ«إسرائيل»، بالقول: «أدى قيام إسرائيل عام 1948 إلى تشتيت الشعب الفلسطيني في أقطار عربية عدّة. تمكّنت إسرائيل من تحويل الفلسطينيين الذين بقوا في أراضي 48 إلى أقلية بعدما كانوا أكثرية». عبارة ربما تختزل سياسة السلطة في سحب الأجيال الناشئة إلى مربّعها، وتثبيط معنوياتها من دون الإضاءة على تجارب حركات التحرّر الفلسطينية والعالمية. المغالاة في التباكي وسرد اللطميات وتزييف التاريخ الفلسطيني في المنهاج، كلّها أمور جعلت سؤال «هل المنهاج فلسطينياً أم صهيونياً؟» يحتل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام من دون أن يحرّك السلطة الفسلطينية ولو قليلاً!