نجوان درويش
بذل إلهام المدفعي (الصورة) جهداً لعدم التفوه بأي «كلام سياسي» خلال زيارته «أراضي السلطة الفلسطينية»، أو بالأحرى ذلك الجزء الذي يمثّل 4% من مساحة فلسطين المحتلة. المدفعي كان محط اهتمام الإعلام، لأنّ زيارته سياسيّة أساساً، لكونه أول مغن عراقي يقدّم حفلة في فلسطين. في الأمسية التي حضرها 2000 شخص اكتظ بهم مدرج قرب «قصر رام الله الثقافي» ضمن «مهرجان فلسطين الدولي»، كانت «رسالة» صاحب «مالي شغل بالسوق» للجمهور الفلسطيني: مالي شغل بالسياسة! طوال الحفلة، انتظر الجمهور كلمة أو لفتة تشير إلى أنّه يغني في فلسطين. لكنه بدا كأنه يقدّم حفلة في سويسرا وأن جمهوره عادي وليس شعباً يعيش في بلد محتلّ ومحاصر. صحيح أنّ المواقف اللفظية أصبحت أمراً ممجوجاً، وأن الفن بذاته لغة، لكن صمت المدفعي لا يمكن أن يفسّر إلا بخوف الرجل من هذا التضامن. هل كان يخشى إغضاب شركات إنتاج أو منظمي حفلات؟ هل كان حريصاً على «مشاعر إسرائيل»؟ هل هو خارج القضايا إلى هذا الحد؟ هل فلسطين «شُبهة» إلى هذه الدرجة؟
لكن مهلاً، ثمة إشارة سياسية واحدة: ختم المدفعي بنشيد «موطني». هل أراد أن يقول موقفه عبر النشيد الوطني الفلسطيني الذي كتب كلماته ــــ الحية حتى الآن ــــ الشاعر إبراهيم طوقان (1905ــ1941)؟ لكن سياق التحولات العجيبة في المنطقة جعلت لـ«موطني» دلالات أخرى. إذ أصبح النشيد الوطني للعراق بعد الاحتلال! وبعد اتفاقية أوسلو، «استبدلت» السلطة الفلسطينية هذا النشيد بآخر! لكن الناس لم يستبدلوه. «موطني.. موطني» والروح الوثابة للشاعر الحرّ الذي خطّه، هي أهمّ ما سنذكره من حفلة المغني الستيني الخائف على مستقبله الفني!