إنها الدراسة الثالثة من بين خمس يطلقها مشروع «بناء السلام في لبنان» التابع «لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي» بالتعاون مع مؤسسة «مهارات». دراسة تتناول «رصد المبادرات الإيجابية في التغطيات الإخبارية لوسائل الإعلام اللبنانية» في إطار متابعة تطبيق «ميثاق الشرف الإعلامي في لبنان» التي وقعت عليه وسائل إعلامية مختلفة في حزيران (يونيو) 2013. الدراسة نفذّت في شهر حزيران (يونيو) الماضي (من 1 الى 23 منه) على قطاعات: المرئي (7 قنوات) والمسموع (8 إذاعات) والمكتوب (11 صحيفة يومية) والمواقع الإلكترونية (5) من خلال 141 تقريراً للصحف و64 للنشرات الإخبارية التلفزيونية و9 في النشرات الإذاعية 3 للمواقع الإكترونية. يهدف ذلك إلى تبيان العدد الكمّي والنوعي لعدد التغطيات ذات المنحى الإيجابي التي تخصصها هذه المنابر ومن شأنها أن تصنع مجتمعاً متماسكاً يعزز ثقافة قبول الآخر ويحفّز على خلق نمط مغاير من التفكير يساعد على إحداث تغييرات مجتمعية بشكل مباشر وسريع.
شاء معدو هذه الدراسة مناقشتها مع وسائل الإعلام المعنية بغية الخروج بخلاصات وتفعيل آليات بغية تغيير النمط السائد المهيمن والمتمثل في سطوة أهل السياسة على التغطيات الخبرية، وتكريس سوداوية عالية في هذه المنابر قائمة على نقل جزء واقعي متمثل في الكوارث والحروب مقابل إهمال مبادرات إيجابية يجب خلق حيز لها في هذه التغطيات.

لا مفرّ من التأكيد على واقع مرير يتخبط بأزماته المختلفة السياسية منها والإجتماعية والإقتصادية. لكن هذ ا الواقع بل هذا الجزء منه يتم التعامل الإعلامي معه على أنه مسلمّة، وهذا في طيّاته يخدم وسائل الإعلام لأنه بحسب ما ورد في هذه الدراسة، فإن الهمّ الأساسي الذي تسعى اليه كل هذه المنابر هو حصد أكبر كمية من المشاهدين والمستمعين والقرّاء. يحصل ذلك من خلال هذا النمط المكرس في «تسويق الخوف» أو كما وصفه الفيلسوف ميشال سير بـ "جمهور الخوف»، والصحافي الأميركي كوري روبين في كتابه «الخوف: تاريخ فكرة سياسية» الذي تحدث فيه عن الخوف الذي يضحي "رافعة سياسية للسلطة" حتى في الديمقراطيات العريقة. ومن هنا تطرح الدراسة السؤال: "هل يعيش الإعلام من "بيع الخوف"؟ تكون الإجابة أن الحفاظ على "الخوف الدائم شكل من أشكال السيطرة على المجتمع من قبل السياسة ووسائل الإعلام والقانون» المقتبس من كتاب State of Fear لمايكل كريشتن.
هذه الحالة المكرسة حالياً، اختصرها عميد كلية الإعلام جورج صدقة المشارك ايضاً في صياغة هذه الدراسات البحثية الإعلامية بأنّ وسائل الإعلام تحوّلت الى «ورقة نعوة» وأنّ من شأن الإضاءة على المبادرات الإيجابية في المجتمع كسر ظاهرة اليأس عند اللبنانيين، وتعزيز الدور الوطني لوسائل الإعلام وإرساء ثقافة السلام.
وفي النقاش الذي دار بين مجموعة عاملين ومسؤولين في وسائل إعلام محلية، تحوّلت الندوة في بعض أجزائها من مساحة لإجتراح حلول والمصارحة في كيفية إدارتهم للتغطيات الخبرية، الى مساحة للدفاع الشخصي على ضوء النتائج غير المرضية لهم في هذه الدراسة. وأطلقت في هذا الخصوص العديد من الذرائع من ضمنها أنّ الإعلام مكبل وابن بيئته ويسير وفق «الجمهور عايز كده»، وأن وقت النشرات الإخبارية لا يتسع لهذه المبادرات. ورغم هذه الذرائع التي تبغي في الأساس رسم حاجز للدفاع الذاتي، تبقى إشارة أستاذ الإعلام علي رمال في أنّ المشكلة في هذه التغطيات السلبية تكمن في «صناعة الموقف حول هذه التغطية» وليس في الحدث نفسه. واستطرد هنا إلى موضوع مواز الا وهو مقدمات نشرات الأخبار التي باتت اليوم تقولب الرأي العام وتصنع موقفه مسبقاً من الأحداث. هذه المقدمات تأخذ كحد أقصى مدة 12 دقيقة من النشرة الإخبارية. وحتى لو جمعت مع الأخبار السلبية في مستهل هذه النشرات، فإنّه في الوقت الباقي المخصّص لكلام عن تغطيات ذات طابع إيجابي، يكون المشاهد حينها قد غادر وانتقل الى محطة اخرى بعدما أخذ قسطه من الأخبار السلبية.
وإزاء هذا الواقع السوداوي والأداء الإعلامي المكرّس له، تخرج الدراسة بتوصيات عدة من ضمنها إعطاء حيّز للتغطيات الإيجابية بدل التفتيش عن مواضيع سلبية، والإبتعاد عن الكليشيهات التي تذكر بالماضي السلبي الذي عاشه لبنان ومحاولة تخطي ذلك. ومن ضمن التوصيات أيضاً وضع الأخبار الإيجابية في إطار الأخبار الأساسية وليس ضمن الأقسام الترفيهية.