القاهرة | دخلت ظاهرة مواقع الأخبار الساخرة منحنى جديداً بعدما شغلت مواقع التواصل الاجتماعي بقوّة خلال الأشهر الستة الأخيرة. المنحنى بدأ عندما صدّق مقدّمو بعض برامج الـ «توك شو» الأخبار المغلوطة وقرأوها باعتبارها صحيحة، ما أكّد مجدداً حجم الانهيار الذي طوال صناعة الإعلام في المحروسة. في شهر (نيسان) أبريل الماضي، ظهر موقع «نيوزلندا» الذي انشغل القائمون عليه (لا يكشفون عن أنفسهم) بنشر مجموعة من الأخبار التي تبدو مفبركة وغير منطقية منذ اللحظات الأولى.
لكن هدف القائمين على الموقع كان السخرية من حجم الأكاذيب والتهويل الذي تشهده مواقع الأخبار المحترفة في السنوات الأخيرة من جهة، وتأكيد أن هناك قرّاء باتوا يصدّقون أيّ شيء طالما أنه متوافق مع رؤاهم السياسية. حقّق الموقع شهرة كبيرة وقتها عندما نشر خبراً عن تغريم من يستخدم «الشطافة في الحمام»، لأن مصر تواجه شبح الفقر المائي، ويجب توفير المياه الزائدة عن الحدّ. صدّق كثيرون الخبر لساعات ونقلته مواقع يُفترض أنها محترفة. عنوان آخر على الموقع نفسه «وزارة الأوقاف: إنشاء 12 مركزاً لعلاج الإلحاد بالأعشاب»، وثالث يقول: «مقتل شاب وإصابة طفل في حادث تصادم قطار بمزلقان في دمياط». ومن المعروف أنه يستحيل أن يصطدم القطار بمزلقان لأنه يعبر منه ولا يتقاطع معه. لكن «نيوزلندا» لم يبق طويلاً في الصدارة بمفرده، ظهر لاحقاً موقع «الأهرام المكسيكية» واختار له أصحابه (المجهولون أيضاً) هذا الاسم للتندّر على موقع اسمه «الأهرام المكسيكية» ينسب نفسه زوراً لمؤسسة «الأهرام» وينشر تقارير مدعومة من جهات أمنية لتشويه شخصيات سياسية بعينها. حقق الموقع شهرة سريعة بنشر خبر عنوانه: «بحث طبّي جديد: عدم موت مبارك خطر على صحته»، و«الأوقاف: قرار وزاري باعتماد مرتضى منصور إماماً وخطيباً لمدة عام». والمعروف أن منصور هو رئيس نادي «الزمالك» المشهور بإطلاقه السباب ضدّ منافسيه في البرامج التلفزيونية. وخبر آخر يقول: «غرامات السرعة وراء توقع وصول دخل قناة السويس الجديدة لـ 100 مليار دولار» هذا على افتراض أنه ستتمّ معاملة السفن وكأنها سيارات على الطرق السريعة. ثم غابت أخبار الموقع المفبركة لفترة، قبل أن تعود بقوّة تزامناً مع التعليقات التي انطلقت من الموالين للنظام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تخفيف وطأة واقعة قتل السياح المكسيكيين أخيراً. التقط محرّر «الأهرام المكسيكية» الخيط وأعاد الكرة إلى ملعب أصحاب التبريرات الواهية التي تحاول تبرئة ساحة الدولة تماماً مما حدث ونشر تصريحات مفبركة للرئيس المكسيكي قال فيها: «صرح مصدر رئاسي من العاصمة المكسيكية ريو دي جانيرو (عاصمة المكسيك نيو مكسيكو وريو دي جانيرو مدينة برازيلية) تفهّم المكسيك رئاسة وحكومة وشعباً وجيشاً وشرطة وهيومن ترافكرز لموقف السلطات المصرية. وأنّ لمصر كافة الحقوق للدفاع عن أراضيها ضدّ أيّ إرهاب مُحتمل أو أيّ سائح بدون تصريح انتظار. وقال الرئيس المكسيكي انريكي اغلاسيوس (اسم الرئيس المكسيكي إنريكه بينيا نييتو، أما اغلاسيوس فهو مطرب اسباني): نحن لدينا صحارى شاسعة في المكسيك وذهاب مواطنين مكسيكيين إلى صحراء مصر يثير لديّ شيئاً من الشكّ عن دوافعهم الحقيقية للذهاب إلى مصر، خصوصاً أنّهم لم يكن لديهم تصريح انتظار وكانت سياراتهم تقف في الممنوع. وأضاف متسائلاً: ما الذي جعلهم يذهبون هناك؟ جاءت تصريحات الرئيس المكسيكي على هامش مشاركته في قمة تاكو سوبريم (اسم أكلة مكسيكية) الاقتصادية الكبرى، ورفع فيها علم مصر معلناً تضامنه مع الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب والسياحة بدون تصريح». التصريح غير المنطقيّ تناقله بالطبع الآلاف من فاقدي الوعي والخبرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الجديد هو قراءة الإعلاميين وائل الإبراشي مقدّم برنامج «العاشرة مساء» على «دريم»، وإيمان الحصري مقدمة برنامج «تسعين دقيقة» على «المحور»، التصريحات باعتبارها حقيقة من دون أي تدقيق أو بحث في مصدرها. الأمر الذي أطلق موجات من السخرية ضدّهما، لكن الإبراشي كالعادة لم يعلّق كما يفعل مع الانتقادات الموجهة إلى أخطائه. وخرجت الحصري واعتذرت واعترفت بوقوعها في خطأ مهني فادح، لتنتهي القصة مؤقتاً في انتظار وقوع برامج وصحف أخرى في الفخ نفسه، طالما وصل الإعلام لهذا المستوى من الانهيار والفشل في التفريق ما بين الجد والهزل.