صباح أيوب
«يبدو أنّ هذا الشريط لا يعمل. جرّب مرّة أخرى لاحقاً»، هذا ما يطالعك في موقع «بي بي سي» ـــــ عربي حين تضغط لتشاهد أحد أحدث الأشرطة التي يعود تاريخها إلى 25 حزيران (يونيو) الماضي، والسبب منع إدارة الإذاعة بثّه على الموقع الإلكتروني! الشريط هو عبارة عن تحقيق عن الاختلاط بين الجنسين في السعودية. وقد كشف معدّه عن مكان سرّي يقع بالقرب من جدّة، يلتقي فيه النساء والرجال لحضور عرض كوميدي.
وعلى الرغم من بثّه يوم الجمعة الماضي على هواء المحطة، فإنّ ضغوطاً مورست على إدارة الموقع الإلكتروني لحذف مضمونه، وعدم إتاحة الفرصة لمشاهدته مجدداً. «هيئة الإذاعة البريطانية» حاولت استدراك الموقف أمس فأصدرت بياناً رسمياً أشارت فيه إلى أنها «أعادت بثّ التقرير الخاص أول من أمس (الاثنين)، بعدما كانت قد سحبته من موقعها الإلكتروني بسبب خطأ في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية»، لكن شريط التحقيق بقي، لغاية كتابة هذه السطور، موضوعاً تحت خانة «لاغٍ» على الموقع الإلكتروني ولا يُسمح للزائرين بمشاهدته. بيان الإذاعة الرسمي نفى أيضاً صحّة الأخبار التي تحدّثت عن تعرّضها لضغوط خارجية، مؤكّداً أنّ «رزمة القيم المهنية هي الفيصل في ما تبثّه وتعرّضه على موقعها بصرف النظر عن أية ضغوط مفترضة من أيّة جهة أتت».
لم يبقَ من التحقيق اليوم سوى نص مرافق للشريط على الموقع الإلكتروني ويقول: «تحظر المملكة العربية السعودية الاختلاط بين الجنسين في المناطق العامة. لكنّ بعضاً من منظمي العروض الكوميدية بدأوا إقامة هذه العروض في أماكن سرية بعيداً عن الأعين. أحد هذه العروض نُظّم قرب مدينة جدّة السعودية، حيث حضره جمهور يضم رجالاً ونساء على غير المعتاد. يُذكر أن محكمة سعودية في مدينة حائل كانت قد أصدرت أحكاماً بالجَلد والسجن على 4 نساء و11 رجلاً بتهمة الاختلاط في حفل، حسبما أكد مسؤولون قضائيون».
صحيفة «القدس العربي» الصادرة من لندن كانت قد كشفت «أن «بي بي سي» حذفت التقرير المصوّر الذي أذاعته الجهتان العربية والإنكليزية عقب احتجاجات سعودية في المواقع الإلكترونية وفي الصحف».
صحيفة «الرياض» هي من بين الصحف التي انتقدت التقرير بشدة. إذ قالت «إنه كان من المفترض على مراسل ومعد التقرير أن يكون أكثر مهنيّة، ويزور أحد المجمعات التجارية ليشاهد بعينه المهرجانات التسويقية بحضور النساء والرجال والأطفال معاً. وهو ما يخالف ما طُرح في سياق التقرير القصير والملغّم بأفكار غوغائية تكرّس مفاهيم خاطئة التصقت بالمجتمع السعودي، وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001».
لم يتسنَ لنا مشاهدة الشريط للحكم على ما جاء في مضمونه، لكن في جميع الأحوال تبقى خطوة الـ «بي بي سي» بسحب أحد تقاريرها الإخبارية تحت الضغط دليلاً آخر على هشاشة مهنية المؤسسة البريطانية العريقة، التي بات اسمها وتاريخها الطويل على المحكّ.