«مسرح بيروت» في عين المريسة يعيش آخر أيامه. هذا ما يشعر به ويتوقّعه الفنانون... لقد اختار هؤلاء أن ينظموا طوال هذا الشهر برنامجاً وداعيّاً في المسرح يتضمّن أمسيات وعروضاً. فيما تداعى المسرحيّون والمثقفون إلى وقفة احتجاجيّة غداً أمام وزارة الثقافة، رامين الكرة في ملعب الوزير (الذي تنصّل منها سلفاً) وحكومته. الدولة اللبنانيّة التي طالما كانت الثقافة آخر اهتماماتها، آن الأوان لأن تتحرّك لإبقاء هذا الصرح. «مسرح بيروت» شاهد على العصر الذهبي للثقافة في لبنان، بقي ينبض إلى اليوم بفضل مبادرة فريدة لأحد أصحاب العقار السابقين، سعيد سنّو وزوجته. في 1965، افتتح سنّو «مسرح بيروت» لتنطلق في المدينة تجربة خاصة. اختار أن يعطيه اسم «تياتر دو بيروت» ليبعد عنه شبهة الخفّة التي ارتبطت بمصطلح «مسرح» ذلك الوقت! وسرعان ما صار المسرح «مختبراً للمسرح اللبناني في الستينيات، ونافذة على التجديد وتجارب العرب في التسعينيات»، بحسب الروائي إلياس خوري. بالنسبة إلى الفنانين الذين تعاقبوا على «مسرح بيروت»، كان نجاح العمل المسرحي أهمّ من أي شيء لسنّو.
ويرى روجيه عساف اليوم أنّه «بإقفال «مسرح بيروت»، يموت شيء من هذا الفكر الذي سمح بازدهار الفن والمسرح في الستينيات».
دفاعاً عن تلك الذاكرة، وللحؤول دون إقفال المسرح في نهاية الشهر الحالي، يعتصم الفنانون عند العاشرة والنصف من صباح غد أمام وزارة الثقافة في الحمرا بهدف «ضمان ديمومة «مسرح بيروت» واحتجاجاً على غياب دور الدولة ووزارة الثقافة في وضع سياسة ثقافيّة تحمي الفضاءات الثقافيّة والفنيّة في لبنان».
لكن ماذا سيحلّ بالمسرح بعد الإقفال؟ يبدو الأمر مبهماً حتى للممثّل عصام بو خالد الذي أعاد مع مجموعة من زملائه افتتاح «مسرح بيروت» عام 2009. يؤكّد بو خالد أنّه لا يدرك ما سيؤول إليه المسرح. خبر هدم المبنى الذي يشاع منذ سنوات، وإنشاء مركز تجاري مكانه لم يؤكّده أحد. كذلك هناك مَن أخبره بأنّ المبنى والمسرح قد يبقيان على حالهما، لكن «بعد نزع هوية مسرح بيروت» ليؤجَّر باسم آخر.
ويضيف بو خالد: «لا أحد يعطينا معلومات دقيقة. يكتفون بإخبارنا بأنّ الأمور ستتضح مع نهاية الشهر الحالي». سعيد سنّو بدوره يؤكّد أنّ الورثة الآخرين في المبنى من آل سنّو أيضاً، ومالكي المسرح الجدد سيؤجّرون المسرح باسم آخر. يضيف سعيد سنّو أنّهم رفعوا دعوى ضدّه ليحصلوا على المسرح بعدما اعتقدوا أنّ تعلّقه به عائد إلى الربح الذي يدرّه عليه. يضحك قبل أن يضيف: «لا يعلمون أنّ المسرح كان مصدر خسارة لي طوال 47 سنة. لقد هُدم مرتين في الحرب وأعدت إعماره فقط كي يبقى».
يشعر سنّو بأسى تجاه خسارة «مسرح بيروت»، حتى إنّه يلوم الفنانين أكثر من غيرهم، فخصومه ربحوا المسرح بدعوى إخلاء. أي إنّه إذا أثبت المالك أنّ أحد المحال التجاريّة في عقاره بقي مقفلاً لسنة، يمكنه عندها استرجاعه. هكذا بعدما أقفل المسرح 5 سنوات بين 2004 و2009، أصبح سهلاً عليهم استرجاعه. «هذا المسرح يعني لي الكثير. خلقته وحافظت عليه، ثم خسرته في المحكمة لأنّه طوال 5 سنوات لم يطرق أيّ فنّان بابي ليطلب أن يقدّم عملاً فيه. ثمّ في السنتين الأخيرتين، قدّمته لهم مجاناً كي لا أخسره. واليوم يريدون الاعتصام من أجل المسرح. لعلّه الجيل الجديد. فليفعلوا، لكن بعد ماذا؟».
الآن، ونحن على حافة الخسارة، يرى المحامي نزار صاغية أنّ الطريقة الوحيدة لإنقاذ «مسرح بيروت» تكمن في أن تستملكه وزارة الثقافة أو بلدية بيروت؛ لكونه «مكاناً للمنفعة العامة، وهو من ذاكرة بيروت». أما الدعوة إلى الحفاظ عليه عبر تصنيفه مكاناً أثرياً، فيبدو ذلك مستبعداً برأي صاغيّة، لأن القوانين اللبنانية تعاني فراغاً في هذا الجانب. رئيسة لجنة الثقافة والتراث في بلدية بيروت بشرى عيتاني، سرعان ما تكنّس هذا الاقتراح. تقول إنّه لا قدرة للبلدية على استملاك المبنى، كذلك إن هذا الأمر «ليس من أولويات أهالي بيروت». وتضيف أنّ وزير الثقافة وحده يستطيع وقف إقفال المسرح، بما أنّه «يمكن غابي ليّون طرح القضية في مجلس الوزراء ليصدر قراراً باستملاكه». عندما نسأل الوزير عن الموضوع، يقول لـ«الأخبار» إنّه لا يريد الدخول في جدل تحديد الأولويات في البلد. لكنه كما أوضح في بيان أصدره أمس، بعدما لفتنا نظره إلى القضيّة، أنّه يأسف «للظروف التي ستؤدي إلى إقفال «مسرح بيروت» (...) وليس لدى الوزارة الصلاحية للتدخل للحؤول دون ذلك». هكذا، يقف ليّون موقف المتفرّج: «الحلّ يكون في التعويض بإنشاء مسارح حديثة مثل «دار الأوبرا» التي تدرس الوزارة إنشاءها مع وزارة السياحة بمشاركة القطاع الخاص، أو «مركز سعيد عقل الثقافي» في زحلة أو مسرح قصر الأونيسكو». لا تعليق!
الفنانون لا ينظرون إلى القضيّة من الزاوية نفسها. هم سيسمعون صوتهم غداً. إنّهم يحمّلون وزارة الثقافة وبلدية بيروت مسؤوليّة إقفال المسرح، وبعضهم سئم حجّة وزارة الثقافة الأزليّة وميزانيتها الضئيلة.
ينتفض الممثل أنطوان كرباج الذي يقول إنّه قدّم أهم أعماله في «مسرح بيروت»، ويرى أنّ إقفاله «معيب». بينما يتذكّر المخرج شكيب خوري الأيام التي كان يقضيها في كتابة رسائل ودعوات يشرح فيها عن مسرحياته من «في انتظار غودو» (1967) إلى «ما يشبه قصة حبّ» (1996)، ليرسلها إلى أشخاص مجهولين يختارهم من دليل الهاتف. أما المسرحي جلال خوري، فيقول: «أعرف أنّ في عالمنا اليوم يسود منطق المال، لكن الثقافة والمسرح شأن جماعي. مشكلتنا أنّ إنجازاتنا تقوم على المبادرة الفردية، وهذا أمر لا يدوم»... هل يحقّ للدولة اليوم أن تتنصّل من مسؤولياتها، وتقف متفرّجة على إقفال «مسرح بيروت»؟


اعتصام أمام وزارة الثقافة ـــــ عند العاشرة والنصف من صباح غد الأربعاء 21 ك١/ ديسمبر 2011. الدعوة عامة.



■ بعد إعلان القائمين على نشاطات مسرح بيروت (https://www.facebook.com/events/109647992486894/?ref=ts) في عين المريسة، أن شهر كانون الأول 2011 يشهد نهاية نشاطات المسرح، ونظراً لم يمثله هذا الصرح الثقافيّ من قيمة فنيّة وثقافيّة وإجتماعيّة وسياسيّة، وبدافع من أهميّته القصوى كحاضن ومحفزّ للذاكرة اللبنانية الثقافيّة الحيّة، تداعت مجموعة من الناشطين الثقافيين والحقوقيين إلى إجتماع يوم السبت، بتاريخ 17 كانون الأول 2011، في مسرح بيروت. بناءً على الإجتماع تقررت الدعوة إلى إعتصام أمام وزارة الثقافة (مقابل فندق البريستول، قرب بناية الكونكورد) يوم الأربعاء الواقع في 21 كانون الأول 2011، في تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً، من أجل ضمان ديمومة مسرح بيروت، والمحافظة على هويته كتراث ثقافيّ حيّ، وإحتجاجاً على غياب دور الدولة عموماً ووزارة الثقافة خاصة في وضع وتنفيذ سياسة ثقافيّة تدعم وتحمي الفاضاءت الثقافيّة والفنيّة في لبنان.