خرجت فضيلة كاتب، شقيقة الروائي والمسرحي كاتب ياسين (1929 ــ 1989) عن صمتها أخيراً، لتفضح جانباً معتماً من حياة صاحب «نجمة». وفي الوقت نفسه، أصدر الصحافي والكاتب أحميدة عياشي سيرة جديدة لياسين «آخر»، يبقى محطّ سجال في الجزائر، رغم مرور أكثر من عشرين سنة على وفاته. قاطعت فضيلة الملتقى الدولي الثالث الذي أقيم حول حياة وأعمال صاحب «محمد خذ حقيبتك» (25 و27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي).
«ياسين ليس فضاءً تجارياً (...) فهو لا يباع، ولا يشرى»، قالت معللة مقاطعتها. كلامها احتجاج واضح على الطابع الكرنفالي للاحتفالية، المتناقض تماماً مع علاقة ياسين بالسلطة السياسية في الجزائر، التي آثرت نبذه طوال حياته، كما عبّرت فضيلة عن امتعاضها من سلوكيات بعض الكتّاب ممن يهوون كسب المشروعية عبر التسلّق على أكتاف ياسين، على غرار الروائي رشيد بوجدرة. «شقيقي حذّرني منه (...) فقد كان يكره ياسين»، تقول فضيلة، متهمةً صاحب «الحلزون العنيد»، بتشويه سمعة أخيها حياً وميتاً. تصريحات مستغربة، وخصوصاً أنّ بوجدرة لم يتوان عن المجاهرة بالمودة التي جمعته بياسين، إضافةً إلى وصفه إيّاه دوماً بـ «أهمّ الروائيين الجزائريين».
عُرفت فضيلة بكونها «كاتمة أسرار» شقيقها، وخصوصاً خلال الثمانينيات، السنوات الأصعب في حياة ياسين. وقد تزامنت تصريحاتها مع صدور كتاب «نبي العصيان، عشر سنوات برفقة كاتب ياسين» (منشورات سقراط) للصحافي والكاتب أحميدة عياشي، الذي يكشف أوراقاً حميمة، ووقائع غير معروفة من سيرة الراحل. عام 2006، حققت السيرة التي نشرها بن أعمر مدين، بعنوان «كاتب ياسين، القلب بين الأسنان»، إجماعاً في الأوساط الأدبية بين الجزائر وفرنسا، لكن عياشي فاجأ القراء بسيرة جديدة، يركّز فيها على السنوات العشر الأخيرة من حياة الراحل، ويسرد جانباً من التحولات في مسيرة الرجل، بالتزامن مع مرحلة حساسة في تاريخ الجزائر، قادتها إلى حرب أهلية، إثر فوز الحركة الإسلامية بالانتخابات التشريعية عام 1991.
ينطلق أحميدة عياشي من أول لقاء له مع كاتب ياسين عام 1978، على هامش عرض مسرحية «ملك الغرب». يعرّج على الحملة الشرسة التي قادها إسلاميون متطرّفون ضدّه، بسبب مسرحية «محمد خذ حقيبتك»، إذ عدّوها إساءة إلى رسول الإسلام... كما يسرد الكتاب علاقة صاحب «نجمة» بالأوساط السياسية والثقافية في الجزائر، ويحكي مناصرته للحركة الأمازيغية بقيادة الروائي مولود معمري، وانفتاحه على رجال الدين. وهذا ما نلتمسه في علاقته الودية مع وزير الشؤون الدينية الأسبق مولود قاسم نايت بلقاسم. ويطلعنا عياشي على قصة شابة متدينة، جاءت لمحاورة ياسين، بنيّة دعوته إلى الإسلام. وفي نهاية اللقاء الطويل اعترفت له: «عندما جئت إليك لأحاورك، كنت أنتظر إنساناً متعصباً ضد الدين، لكنني اكتشفت شخصاً منصتاً ومحاوراً، سأدافع عنه وعن أفكاره». مع ذلك، لم تقابل محاولات ياسين المنفتحة على المتطرّفين، إلا بالتعصّب من جهتهم. غداة وفاته مثلاً، كتب الشيخ محمد الغزالي في مجلة «الإرشاد» الجزائرية: «إنّ كاتب ياسين لا يستحق أن يدفن على أرض الجزائر. روايته «نجمة» كانت تدعو إلى التخلص من الإسلام، وطرد المسلمين من الجزائر إلى الجزيرة العربية». كلام يكشف عن جهل فحوى الرواية التي حملت تقديساً للوطن والمرأة والمقاومة.
في كتابه «نبي العصيان»، يسرد أحميدة عياشي قصصاً غير معروفة في سيرة كاتب ياسين، لكنّ سقف الجرأة لديه لم يبلغ الذروة... فهو لم يذكر أسماء من وقفوا حجر عثرة في وجه مسيرة الروائي الجزائري الشهير، مركزاً على معاركه السياسية، من دون تفصيل، لكنّ الكتاب ينجح على الأقلّ في تقديم «رؤية من الداخل»، على حياة روائي مثل الاستثناء على رقعة التجربة الأدبية في المغرب العربي وفرنسا.