وقف أحد صحافيّي «شارلي إيبدو» مذهولاً أمام مقرّ جريدته المحروق. ولم يجد ما يقوله للتعبير عن هول الصدمة، سوى أن المشهد يذكّره بالنازيّة التي كانت تحرق الكتب في الساحات. وأضاف أن الكلمة الوحيدة التي تحضره هي «مقاومة». هل الخطر الزاحف الذي يريد أن يقاومه هذا المواطن الطيّب هو «الاسلام»؟ لم يقلها بالتأكيد، ولعلّه أبعد ما يكون عن العنصريّة المباشرة. لكنّه مقتنع أنّه يخوض معركة سامية من أجل الحريّة، في مواجهة ظلاميّة خطيرة لا تستطيع أن تفهم تلك الحريّة ولا أن تقبل بها. ترى هل هو مرض حضاري لا شفاء منه فتك بأكثر من خُمس سكان المعمورة؟ هل هو رفض «جيني» مثلاً للحريّة؟ لعنة تاريخيّة تلاحق المسلمين على اختلاف مشاربهم وقومياتهم وخياراتهم؟ إن «النازية» الافتراضيّة التي استعادها صديقنا المصدوم، تفضح نظرة اختزالية إلى الآخر الذي لا يعرفه، ولا يراه إلا من خلال الكليشيهات: ملتحين «يبرقعون» نساءهم المتعددات، ويريدون تطبيق الشريعة في كل مكان. ألم يتوقّع رسّامو الجريدة الاسبوعيّة الساخرة أن عددهم الأخير الذي يهزأ من أدبيّات الاسلام ورموزه، يساهم في أبلسة العرب والمسلمين في زمن نخرته العنصريّة؟ ألم يخطر ببالهم أنّهم يلعبون بمعاناة شعوب مقهورة، وأفراد يتعرّضون اليوم للاقصاء والاضطهاد في فرنسا وسواها، على مختلف المستويات؟ السؤال لا يبرّر العنف الكريه، فحقّ النقد والتعبير مقدّس بلا شك، رغم أنه لم يشمل Siné حين سخر من «يهوديّة» ساركوزي الابن في الجريدة نفسها. صحيح أن الجرأة هي وقود الديموقراطيّة، لكنّ الشعبويّة سرطانها. ضربة ريشة صغيرة تفصل بينهما، تجاوزها زملاؤنا بكثير من الخفّة والفوقيّة و... العنصريّة المضمرة.