بروكسيل | في فيلمه الجديد «الجلد الذي أسكن» الذي طرح أخيراً في الصالات الإسبانية والأوروبيّة، وسيوزّع الشهر المقبل في الولايات المتحدة الأميركية، ينهمك بيدرو ألمودوفار في إعادة إنتاج حوّاء الجديدة. يستعيد قضايا عوّدنا إياها المعلّم الإسباني في أعماله السابقة بدءاً من القلق، والوحدة، والهوية الجنسية، والخيانة، والموت، وفساد الإنسان السلطوي، والانتقام، وصولاً إلى الانغلاق حدّ الهوس. علماً بأنّ الشريط يستند إلى رواية «ميغال» للفرنسي تييري جونكيه (2003) التي صارت «تارنتولا» في الترجمة الإنكليزية. وبعد انقطاع طويل، يعود أنطونيو بانديراس للوقوف أمام كاميرا ألمودوفار، مجسداً دور روبرت ليدغارد المتخصّص في جراحة الجلد. في «الجلد الذي أسكن» الذي عرض في «كان» الأخير ولم يحصد أيّة جائزة، نرى فيرا (إيلينا آنايا) العارية تنام على سريرها، بينما يجلس الدكتور في الغرفة المجاورة ويشاهدها على الشاشة. هذه المرأة التي تعيش دوماً داخل مختبر الدكتور الخاص، ليست سوى نسخة طبق الأصل عن امرأته التي توفيت منذ 12 عاماً. تمكّن الدكتور ليدغارد من تحويل فيرا من مشروع إلى «أيقونة» متكاملة الجمال تمثّل إنجازاً طبّياً باهراً، لا يمكن أن يباع في السوق لأسباب قانونية وأخلاقية.
ألمودوفار واحد من هؤلاء الذين يتقنون فنّ السرد. سيناريو الشريط تقليدي وسهل، يتوزّع على زمنين: الماضي والحاضر، وكلّ منهما يسرد قصّته على حدة. لكن بعيداً عن القراءة الروتينية لنصّ الإسباني التي غالباً ما تكون ظرفية ومقرونة بكلّ صور العنف والدم، يمكننا القول إن طريقة السرد البسيطة لم تمنع الكاتب من إرسال إشارات مختلفة، جاء بعضها ضعيفاً للأسف: من هي المرأة الجديدة؟ ما هي هويّتها؟ ماذا تساوي سلطتها أمام سلطة الرجل في العالم الحديث، وخصوصاً الأوروبي؟ وماذا إن كانت هذه المرأة الجميلة بالأساس رجلاً قد تحوّل جنسيّاً أو العكس؟ في السيناريو أيضاً، مساحة محدودة للتهكّم حيث نرى المذيعة على التلفزيون تشرح فنّ «اليوغا» وأهميّته العالية للتحرّر، فيما فيرا مسجونة داخل جناحها المراقب. وفي هذا إحالة على الموجة التجارية التي تجتاح أوروبا منذ سنوات.
في أوروبا، يؤخذ على السينمائي الإسباني تكراره الدائم لهذه الفكرة عبر مقاربات مختلفة لا تخلو من فجاجة. ورأى بعضهم أن «الجلد الذي أسكن» ليس سوى نسخة لفيلمه السابق «العناق الكسير». لكن من وجهة نظر غير أوروبية، يمكننا أن نذكر شيئاً جديداً: كلّنا نعرف أن ألمودوفار بدأ تجربته السينمائية بعد حقبة فرانكو الكاثوليكية، وهذا «الانعتاق الغريب الذي يبصم أعماله» على حدّ تعبير إحدى الصحف الفرنسية، ليس سوى ندبة خلّفتها رجعية الديكتاتور، وما زالت حتى اليوم تؤرق صاحب «قانون الرغبة».