أغلب لوحات جميل ملاعب في معرضه الجديد «حاضر الأمس والغد» هي حصيلة تأمل بصري ولوني أثناء رحلة إلى المغرب. هناك بعض التجريدات القليلة ولوحات لطيور محلّقة وأخرى ميتة، لكنها لا تجاري الانطباع القوي الذي تقترحه الأعمال المنجزة عن الرحلة المغربية.
غوغان ورحلاته التاهيتية هما أول ما يخطر في بالنا حين نعرف هذه المعلومة. علينا أن نضعها جانباً كي لا تزاحمنا في تلقي ما يقترحه الفنان اللبناني. هكذا، يتضح أن التجربتين مختلفتان والمقارنة جائرة بين التأثير الهائل لما فعله الرسام الفرنسي في نهايات القرن التاسع عشر، وبين تجربة راهنة لا تتجاوز فكرة أن ينزِّه صاحبها ريشته نفسها في جغرافيا لونية أخرى. أضف إلى ذلك أنّ بعض الأعمال المعروضة مدينةٌ لخليط من الأفكار المسبقة والتلقائية الطازجة للمشاهد التي خزّنها الفنان في ذاكرته.
نسأل أنفسنا: هل ما زالت تُدهشنا لوحات تحتلها نساء يحملن جراراً فخارية، وتحمل عناوين مثل: «طريق العين» و«الينبوع» و«مساء الورد« و«ثلاث عربيات»؟. ألمْ تضجر اللوحة اللبنانية والعربية من موضوعات تتوسل الذوق الشعبوي لبعض مقتنيها؟ وما معنى هذا الاستسلام غير المبرر لدسّ اللوحة في حضن الطبيعة أو تأريخ المشهدية الأبدية المتثائبة لنساء ذاهبات إلى النبع لجلب الماء؟ وهل ما زال ممكناً تصديق كل هذه البراءة والمجانية بعدما انفسد مبدأ اللوحة التشكيلية في العقود الأخيرة. السؤال نفسه ينطبق على أعمال أخرى عن البحارة والصيادين والأمومة والاستحمام، حيث لا يتوانى الرسام عن المبالغة في الزخرفة، فيرسم حمامةً بيضاء وقنديلاً إلى جوار نساء يمشّطن شعورهنّ في وضح النهار! أو يدسّ حمامة أخرى في يد طفلة تقف إلى جوار أمها الذاهبة إلى الينبوع!
من حق أي فنان أن يرسم ما يشاء طبعاً، لكن هذا الحق لا يمنع الحق في الاستغراب من اجترار بعض الموضوعات التي تصلح للزينة أكثر من كونها ترجمة لطموحات وجودية مقلقة أو أسئلة تشكيلية حارقة. باستنثاء بعض الجمال المنبعث من التضارب العذب بين الثياب البيض والبشرة السمراء لشخوص اللوحات، وباستثناء بعض المقترحات (غير المباغتة على أي حال) في الأعمال التجريدية، لا تمثّل أعمال ملاعب خطراً داهماً على الذائقة التقليدية المسترخية التي تفضل اللوحة المختصرة في عنوانها. لا يختزل المعرض تجربة ملاعب الطويلة والمتنوعة طبعاً، وليس هو وحده المقصود بكل هذه الملاحظات. المعرض، بهذا المعنى، مناسبة عَرَضية لنقاش بات ضرورياً.

«حاضر الأمس والغد»: حتى 23 الجاري ـــــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة). للاستعلام: 01/868290