كان الوقت متأخراً، ليلاً. ربما كانت السماء ممطرة. لا أذكر ما كنت أفعله. اقتطع قسم من ذاكرتي وتلاشى، وكل ما أذكره الآن هو متابعتي لما يجري في مصر. ربما كنت قد شاهدت فيلماً، استمعت إلى باخ، وتناولت بعض الويسكي. لا أدري. ليس مهماً. هناك أشياء حقيقية تحدث الآن. أبناء مصر ينبعثون مجدداً، يؤلفون أجمل الموسيقى. تونس وبوعزيزي في البال. قناة «الجزيرة». بيئة إلكترونية نشطة.
أصدقائي المصريون على «فايسبوك» يتوعدون مبارك ويحشدون التظاهرات. وسائل إخبارية مبتكرة. إذاعة ثورية. جويا يرسم أبناء ساتورن مخترقين أحشاءه. لم أعش ثورات، كالعديد من أبناء جيلي. ورثنا الخيبات القديمة، وانتقلنا ننتظر في قاعة البرزخ في تفاعلنا مع الجديدة. تونس تنتصر. مصر في الطريق. تفاعلت مع الثورات في الصورة، إما باسترجاع أحداث الماضي أو بأحداث مختلقة. الأهالي يقتحمون سجن الخيام وسط فرحة المعتقلين. بهية تصرخ «حنحارب» في «العصفور». بوعزيزي يشتعل كالوردة. الشعب التونسي ينتفض وبن علي يولي هارباً. مصر تستيقظ وتنتفض على الظلم. صور الناس البسطاء والغلابى تصرخ في وجه الظلام. غاليانو سجل في دفتره نقلاً عن حائط في كيتو: «ماذا لو توحدنا ورفسنا تلك الفقاعة الشائبة الكبيرة؟». الأمر أسهل مما نظن. لا خوف بعد اليوم. كنت دائماً أتساءل عما إن كان هناك للهواء طعم آخر. أستطيع أن أتذوقه الآن.
(عمان)