القاهرة ــ رغم دخول الثورة يومها العاشر، لا يزال بعض الفنانين يفضّلون الاعتصام بالصمت، بدل إطلاق التصريحات السياسية التي قد تكلّفهم غالياً في المستقبل، وخصوصاً أن قسماً منهم كان يعيش في نعيم مادي واجتماعي طيلة فترة حكم حسني مبارك. هكذا ينتظر بعضهم اتضاح الصورة السياسية بعد الثورة قبل الإدلاء بأيّ موقف مناصر أو مناهض للاحتجاجات الشعبية.لكنّ قسماً آخر من النجوم اتّخذ خياراً مخالفاً، ونزل إلى الساحات منذ اليوم الأوّل لينضمّ إلى صفوف الشباب المحتجّين والمطالبين بالتغيير. ولعل الموقف الأبرز كان للموسيقار عمّار الشريعي الذي وضع إصبعه على جرح الشعب المصري، مسجّلاً موقفاً جريئاً فقال: «جيلنا هو جيل الخنوع، والجيل الحالي هو المستقبل». وأشار إلى أنه سيشارك للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية، «ويكون صوتي محسوباً، بخلاف انتخابات الدورات السابقة التي كان يحصل فيها الرئيس على نسب تفوق 99 في المئة». وشنّ الشريعي هجوماً عنيفاً على الإعلام المصري، «الذي يطالبنا بعدم مشاهدة محطات كـ«الجزيرة» وBBC، رغم أنهما تنقلان نبض الشارع الحقيقي». وذهب الموسيقار المصري أبعد من ذلك، متّهماً رجال الأمن بإثارة الشغب، ومعتبراً أن «شباب مصر يشكلون لجنة الدفاع عن البلد، من النهب والسرقة، ويحمونه من المجرمين والبلطجيّة، وهم ليسوا المساجين الفارين، وأصحاب السوابق فقط، بل هناك من تدرّبوا على القتل». من جهته، دعم عمر الشريف في أكثر من تصريح تلفزيوني المتظاهرين وأيّد مطالبهم، داعياً الرئيس حسني مبارك إلى التنحّي عن السلطة. أما صلاح السعدني، فوجّه انتقادات لاذعة للنظام، مؤكداً أن المسؤولين المصريين لم يفهموا بعد حقيقة هذه التظاهرات. ولم يتردّد في التنديد بنظام حسني مبارك الذي رأى أنّه «أطاح كل ما بناه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر»، مطالباً بأن يكون «حاكم مصر نبيّاً للفقراء». كذلك قال محمود حميدة إن انتفاضة الشعب المصري كانت طبيعية بعد إطاحة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
غير أنّ التضامن الأبرز مع المنتفضين كان من قبل الفنانين الشباب الذين صمدوا في دعمهم حتى بعد الخطاب الأخير لمبارك. ومن أبرز هؤلاء عمرو واكد الذي قال «شعرت أنّ من واجبي أن أشارك الشباب رفضهم واحتجاجهم، لذلك انضممت إلى المتظاهرين في ميدان التحرير وشاركت في تظاهرات أخرى في شبرا». وحظي كلام واكد بتأييد المتظاهرين الذين وصفوه بأنه «رمز محترم للفنانين». من جهته، حوّل خالد أبو النجا صفحته على «فايسبوك» إلى ساحة للنضال بأغنيات الثورة المناهضة للنظام. كذلك أعرب فنانون آخرون عن تأييدهم للتظاهرات، ومنهم جيهان فاضل، والمخرجون يسري نصر الله، وداوود عبد السيّد، وهالة خليل، ومحمد دياب، وعمرو سلامة، وأحمد ماهر، وطبعاً خالد يوسف الذي طالب النظام بالرحيل قائلاً «الشعب قال كلمته، وما فيش حكم بالعافية». ووجه رسالة مباشرة إلى مبارك قائلاً: «ارحل حقناً للدماء». أما عزت العلايلي، فقال إنه سيشارك في أيّ تظاهرة مقبلة.
وأمام موجة الفنانين الداعمين للثورة والمطالبين بالتغيير، برز نوعان من النجوم المؤيّدين للنظام: الأوّل هم الممثّلون والمغنّون الذين طالبوا بـ«الاستقرار والتهدئة خوفاً على مصر»، وطالبوا بإعطاء الحكومة الجديدة فرصة للعمل وتحسين الأوضاع. ورأى هؤلاء أن كلمة حسني مبارك الأخيرة تأكيد لـ«استجابته الكاملة للشعب»! ويضمّ هذا التيار على نحو أساسي محمد صبحي، وأحمد السقا، فيما بدا موقف أبو الليف ضبابياً، إذ قال إنّه ضدّ مبدأ التظاهر كوسيلة للتعبير عن الرأي. أما عادل إمام، فأكّد أنه لم يصف تظاهرات الشباب بـ«العمل الغوغائي»، معلناً أن «من حق الشباب التعبير عن أنفسهم والمطالبة بما يريدون، لكن في الأطر السلميّة».
أما النوع الثاني من دعم النظام، فجاء بواسطة فنانين لم يترددوا في التعبير عن موقفهم الصريح المعادي للتظاهرات، والمطالب ببقاء مبارك في منصبه. ولا شكّ في أنّ تهمة «فنان النظام» ستلاحق هؤلاء طويلاً. مثلاً قالت غادة عبد الرازق، التي لطالما جاهرت بمحبّة الشعب لها، إن ما يجري في الشارع هو «غدر برمز كبير خدم البلد مدة 30 عاماً». طبعاً لم تنتبه بطلة «زهرة وأزواجها الخمسة» إلى عشرات الشهداء وآلاف الجرحى الذين سقطوا في الشارع. وقد انضمت غادة إلى مسيرات داعمة لمبارك بقيادة نقيب الممثلين أشرف زكي وشقيقته ماجدة زكي، وزينة، ونهال عنبر، وعمرو مصطفى. لكن «التلفزيون المصري» نفسه اعترف بفشل التظاهرة المضادة للتظاهرة الشعبيّة، معتبراً أن «الإعلان عن حفلة لمحمد منير وعمرو دياب، يحقق حضوراً أوسع من تظاهرة مساندة للرئيس».
ويعدّ موقف الممثل حسن يوسف الأكثر استفزازاً، إذ قاد الأخير حملة اتصالات هاتفية يوميّة، على كل القنوات المصريّة الحكوميّة والخاصة، للتشكيك في وطنية المعتصمين في ميدان التحرير. وأجرى النجم المخضرم ثلاثة اتصالات بثلاث قنوات خلال نصف ساعة، ليبدأ حملة ترويج «لدخول عناصر إيرانية إلى مصر في الأشهر الأخيرة استغلت فرصة الفوضى في الشارع لتصبّ الزيت على النار». بعد ذلك، طرح يوسف سيناريو آخر عن شهادات ادّعى أنه جمعها من أهل الحي الذي يسكن فيه، وتؤكد أن المعتصمين يحصلون يوميّاً على مبالغ ماليّة يوميّة وعلى وجبات غذائيّة مجانية، وهو الأمر الذي أثار استياء المتظاهرين الذين ردّوا عليه عبر شاشات أخرى. كذلك ناصر بعض الرياضيين رئيسهم على طريقتهم، إذ اتصل اللاعب إبراهيم حسن بالتلفزيون الرسمي، ودعا مناصري مبارك إلى العودة إلى منازلهم حتى تتمكن قوات الأمن من محاصرة المعتصمين بطريقتين، الأولى عبر منع الغذاء والدواء عنهم، فيضطرون إلى الرحيل، والثانية من خلال إطلاق خراطيم المياه عليهم كما يحدث في أميركا.
وسط هذا، كان لافتاً صمت بعض النجوم عمّا يجري، مثل محمد منير، وهاني شاكر، وتامر حسني. وكان هذا الأخير قد أكّد أنه سينضم إلى التظاهرة المليونيّة، ثم انكفأ خوفاً من الأخطار المحيطة بالميدان أو ربما لأنه لم يجد في الاحتجاج ما يكسبه شهرة ودعاية إضافيتين. ووفق ما جاء في صحيفة «الشروق»، فإنّ عمرو دياب سافر إلى دبي، لكنّ صوته ظل حاضراً على شاشة «التلفزيون المصري» الذي بثّ أغنيته «واحد مننا» الموجهة إلى الرئيس. واتجه فنانون آخرون إلى القارة الأوروبيّة، ومنهم نيللي كريم، وياسمين عبد العزيز، وبشرى، هرباً أو خوفاً مما يجري على أرض «المحروسة».