بعد الجزء الأول من فيلم «توايلايت ــ الانهيار»، يستكمل المخرج بيل كوندون الجزء الثاني من علمه السينمائي المبني على رواية الكاتبة الأميركية ستيفاني ماير. وتماماً كما الجزء الأول، عرف كوندون كيف ينال اعجاب الجمهور جاذباً ملايين المشاهدين حول العالم.
قليلاً ما تنجح الأفلام المبنية على الروايات بأن تتفوق على المادة الأصلية. وهذا ما أثبتته الكثير من التجارب على غرار «العمى» (من إخراج فرناندو ميريل) المقتبس عن رواية ساراماغو، أو ثنائية دان براون «ملائكة وشياطين» و«شيفرة دافنشي» (من إخراج رون هوارد). الخيال الذي يترك للقارئ في الرواية، يضطر المخرج إلى حدّه وتأطيره في الإمكانات المتوافرة والتقنيات والميزانية. لكن عندما يتعلق الأمر برواية على غرار «توايلايت» (الشفق)، فالأمر مغاير تماماً، خصوصاً أنّها تنتمي الى الرومانسية الفانتازية التي تضع بيد المخرج إمكانات كبيرة ليحتال على الأسلوب، ويظهر فانتازيته الخاصة أكان في تركيب المشاهد أم في مقاربة الاحداث من دون أن يمسّ السحر الخاص في النص المكتوب الذي استطاع أن يقدم نمطاً مغايراً لكل الروايات التي تحدثت عن مصاصي الدماء في التاريخ الأدبي.
الفيلم هو الجزء الثاني من «توايلايت ـــ الانهيار»، والرابع في السلسلة. المزعج في هذه النسخة أنّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجزء الأول، ولا يمكن للمشاهد أن يفهم ما يدور في القصة والرابط بين الشخصيات ما لم يتابع الجزء الأول من السلسلة على الأقل. ولم يقدم المخرج على تقديم حتى ملخص صغير عما جرى في الجزء السابق واعتمد في ذلك على الأرقام التي حققها تجربته الأولى، ولم يسع كثيراً الى ضم جمهور جديد ممن يجهلون أحداث الرواية. غير أنّه حقق تمايزه في أسلوبه الإخراجي حيث قدم نمطاً سينمائياً يعتمد أكثر على التشويق وعلى التغيير في شخصية البطلة الاساسية بيلا كولن (كريستان ستيوارت) التي تحولت من انسانة عادية الى مصاصة دماء بعدما قرر زوجها مصاص الدماء إدوارد كولن (روبرت باتينسون) تحويلها الى طبيعته لإنقاذها من الموت بُعيد انجابها ابنتهما رينسيمي (ماكنزي فوي).
من هذا الحدث، تبدأ أحداث الفيلم الجديد فتتعرف بيلا الى طبيعتها الجديدة وقدراتها الخارقة قبل أن يكتشف الثنائي أن انجابها ابنة خالدة يعد خرقاً لقوانين مصاصي الدماء، فتأتي مجموعة فولتيرا القوية بقيادة آرو (مايكل شين) لتقتل الطفلة وعائلتها عقاباً لهم، فتتحضر العائلة الى المعركة بعد حشد الشهود من مختلف بقاع الأرض ليقدموا افادتهم التي تؤكد أن رينسيمي ليست خالدة، وليخوضوا الحرب في حال عدم اقتناع فولتيرا بذلك وهنا يكمن التشويق.
الفيلم الجديد يتوسع من الرومانسية التقليدية جانحاً نحو الحركة أكثر فأكثر، وتكون مشاهد المعارك من أساسيات العمل بعدما كانت حدثاً ثانوياً عابراً في الأجزاء السابقة، وهذا لا يعني أنّ الفيلم سريع الأحداث كالأجزاء السابقة بل انه يتخذ نسقاً بطيئاً لا سيما في عملية التحضير للمعركة المفترضة التي قدمها المخرج بأسلوب رائع صنعت أجمل لحظات الفيلم، وطعمها بخاتمة تفاجئ الجمهور.
لكنّ قيمة العمل لا تأتي من هنا، بل من العالم الافتراضي الذي استطاع المخرج أن يحيكه بخيوط الكاميرا مركزاً على جمالية مواقع التصوير وحركة العدسة التي تبرز كل جمالية ممكنة، كأنه يصنع كوكباً جديداً نقياً يجعل المشاهدة أكثر امتاعاً. كذلك، حافظ المخرج على سحر الرواية لينقل سحر عالم مصاصي الدماء الأخيار وقدراتهم الخارقة، وبأسلوب ذكي. رغم المعارك وقطع الرؤوس وتحويل البشر من خلال مص دمائهم، لا يظهر الفيلم أي قطرة دم ولا يجرح نقاوة المشاهد فيه، حتى أنّه أظهر المستذئبين وتحولهم من بشر الى حيوانات بأسلوب شاعري رقيق.
أما على صعيد التعامل مع تركيبة الشخصيات، فقد نجح أكثر في صقل كل منها واظهار مكامن قوتها وضعفها، لكنه في المقابل لم يخرج من عيبه الاساسي المتمثل في الطوباوية في مقاربة الخير والشر، ليجذب المراهقين أكثر من سواهم. ومن هنا، يظهر الاختلاف الكبير بين ما كتبه العدد الاكبر من النقاد حول الفيلم وسطحيته، وبين ما يحققه من ايرادات عالية جداً. ولا يمكن التحدث عن الفيلم من دون التعريج على موسيقاه التصويرية التي وضعها كارتر بورويل، وحققت نجاحاً ملحوظاً كموسيقى مستقلة، مقدماً البوماً كاملاً مشغولاً بنمط رومانسي راق، يتناسق مع روحية الرواية والعمل السينمائي المنبثق منها.
وفي المحصلة، لا يمكن أن ينصح بالفيلم لمن لم يشاهد الأجزاء السابقة، إذ سيجد نفسه مشتتاً ولن يفهم مفاتيح القصة ودور كل شخصية في العمل. لكن متابعي الرواية والسلسلة السينمائية، سيجدون في العمل ما يتوقون اليه: فيلم جميل يستحق المشاهدة.



Twilight: Breaking Dawn Part 2: صالات «غراند سينما» (01/209109) و«أمبير» (1269)