عكّا | نفدت كلّ تذاكر العرض الفلسطيني الأول لفيلم آن ماري جاسر «لما شفتك» الذي أقيم منذ أسابيع في «مركز يبوس الثقافي» في القدس المحتلة. عبر هذا الشريط الذي يؤدي بطولته الطفل محمود عصفة، وربى بلال وصالح بكري، أرادت السينمائية الفلسطينية (1974) أن تكون القدس المكان الأول الذي يحتضن شريطها الروائي الثاني الذي تجري أحداثه إبان نكسة الـ 1967 أثناء عبور الآلاف اللاجئين المهجرين الحدود من فلسطين إلى الأردن.
لكنّ العمل يتمحور حول طارق ابن الـ11 عاماً (محمود عصفة) الذي انفصل عن والده أثناء الحرب، ثم وجد نفسه مع والدته غيداء (ربى بلال) في مخيم لاجئين مؤقت في انتظار العودة إلى فلسطين، لكنهما ينتظران تماماً كما انتظر جيل كامل قبلهما هُجر وشُرّد عام 1948. مع صعوبات التأقلم في مخيم اللاجئين والشوق للوالد، يحاول طارق البحث عن مخرج وأمل جديد، فتدفعه طبيعته الفضولية وروحه الحرة إلى الانضمام إلى معسكر سري للمناضلين الفلسطينيين.
اختيار صاحبة «ملح هذا البحر» للعام 1967 جاء لأهمية هذه السنة وتأثيرها في الفلسطينيين بمن في ذلك أسرتها. في الفترة التي كان فيها العالم يعيش أواخر سنوات الستين الملأى بتوق الشعوب إلى الحرية والتحركات الطلابية وحركات مناهضة للاستعمار، كان الفلسطينيون يعيشون النكسة وقصصها، بمن في ذلك جاسر التي ترعرعت طوال حياتها وهي تسمع هذه القصص من عائلتها التي هُجرت من بيت لحم: «أردت أن أروي قصة عن هذه الفترة المهمة، كونها ذات صلة بما يحدث اليوم. بدأت في كتابة السيناريو في الوقت التي كنت في أمس الحاجة إلى الأمل في حياتي، وتجاه ما يحصل في محيطي ومع أبناء جيلي» تقول جاسر لـ«الأخبار».
اختارت جاسر طارق بطلاً لفيلمها لأنّها أرادت من خلاله أن تروي «كيفية تحوّل حياة أناس عاديين إلى حياة غير عادية بسبب أحداث لا علاقة لهم بها لكنّها تغيّر مجرى حياتهم». تشرح: «أردت أن أروي قصة شخصية عن أم شابة أرادت أن تحمي ابنها الذي لم تنكسر روحه بعد. في المقابل، هما مثل أي شخص في العالم. طارق يبحث عن استقلاله عن والدته ولا يريد أن تعامله كطفل. هذه مجرد قصة صغيرة من آلاف قصص العام 1967».
تتميز آن ماري جاسر بالتوجه «الحالم» والرومانسي في أعمالها كما في «ملح هذا البحر» وشخصيته الرئيسية ثُريا. تعود إلى المحور نفسه في «لما شفتك»، حتى في اختيار عنوان الفيلم. لا تعتبر أنّ التعامل مع النكسة من زاوية رومانسية أمر يناقض الواقع، فالمناضلون هم مجرد رومانسيين كما تقول. لذا، تصف الشريط بأنه خيالي يروي كيف ينظر طفل إلى العالم. لكن هذا الخيال لا يبتعد عن واقع المخرجة وواقع كثيرين، كون الفيلم يرتبط بقصتها الشخصية التي تعيشها اليوم بعد منعها من العودة إلى فلسطين قبل أربع سنوات: «تكسّر كلّ عالمي وقلبي» تقول جاسر. ولهذا انتقلت إلى الأردن حيث يمكنها أن ترى فلسطين. وتضيف: «عندما لم يُسمح لي بالعودة، وأصبح بإمكاني فقط أن أرى فلسطين عبر وادي الأردن، فهمت أمراً ما، أو شعرت بشيء لم أشعر به قبلاً مثل العديد من الناس الذين شُردوا وأصبح الجزء الأصعب من حياتهم هو الوقوف في مكان ما عند الوادي ورؤية فلسطين من دون الوصول إليها. هذه الأرض التي تعرفها بشكل حميمي لكنّك هُجرت ونُفيت منها رغماً عنك. وتحاول عندها التفكير في غباء مفهوم الحدود. هذا المنطق الذي يفصل البشر لأن هنالك مَن قرر وضع خط على الأرض هناك اسمه الحدود».



إشكالية التمويل

بعد «ملح هذا البحر» (2008)، قرّرت جاسر إنجاز فيلم يروي النكسة بتمويل عربي من دون انتظار ستّ سنوات (كما حصل مع الفيلم الأول) كي تحصل على دعم أوروبي لإنتاج شريطها الثاني. «علينا كسر نظام الاعتماد على أوروبا من أجل صناعة أفلامنا»، تقول لـ«الأخبار». «لما شفتك» الذي حصل على دعم «مهرجان دبي السينمائي» ومساعدة تمويلية من جهات يونانية، ابتاعت شركة «ذا ماتش فاكتوري» الحقوق العالمية لعرضه، إضافة إلى اختياره ليكون المرشّح الفلسطيني للتنافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي.