في غيابه، يستقبلك الأطفال. يحضر غسان كنفاني روحاً، فيحضر صوت الأطفال غناءً بنشيد «مؤسسة غسان كنفاني الثقافية» «ليمونة وزهرة». يصاحب توافد أحبته ومحبيه إلى قاعة «مسرح بابل» مساء أول من أمس، حيث أقيمت احتفالية إحياء لذكرى استشهاده الأربعين بحضور آني كنفاني، زوجة غسان وأم ولديه ليلى وفايز. بيروت شقيقة عكا، المدينة التي تحتضن غسان جسداً كما تحتضنه روحاً تجدّد قصتها معه. حضر غسان روحاً، فحضر الأطفال بصور التقطوها في مخيمي نهر البارد والبداوي. يفتح لهم غسان باباً نحو الفن والحرية، فيتعلّمون صنع كاميرات من مواد بسيطة صانعين بها «ذكريات باقية» ضمن مشروع لـ «مؤسسة غسان كنفاني الثقافية» بإشراف المصوّرة داليا خميسي (يستمر المعرض حتى 17/7). هم، الأطفال، أيضاً لديهم ما يقولونه لغسان ولميس (ابنة أخته) في ذكرى استشهادهما الأربعين، مستقبلين الوافدين لحضور «الأمسية التحية» بصور بالأبيض والأسود عُلِّقت في بهو المسرح، تظهر في إحداها لافتة تقول «العودة حقنا»، وقد جلست أمامها «أم سعد» أخرى من مخيمات شمال لبنان. «يستحيل أن نتحدث عن غسان كنفاني بصيغة الماضي. إنه غداً» هكذا اختصر الناشر طلال سلمان الرجل ــ الحدث، مستعيداً غسان كنفاني في نص رسالة عن لسانه يروي بها مشهد عودته إلى مدينته عكا صباح الثاني من تموز (يوليو) عام 1972.
«يكتب» غسان كنفاني عن البيت القديم والياسمينة. يتحدث عن رفاقه الذين عادوا أيضاً من جبهات المقاومين إلى فلسطين. ها هو في عكا، فيما رفيقه في القلم يحبس دمعه متحدثاً عن أيام عملهما معاً في «دار الصياد» ومجلة «الحرية»، مستذكراً رفاقاً رحلوا كجورج حبش، وأبو ماهر اليماني وناجي العلي. يكمل سلمان وصفه المتخيل للسويعات التي سبقت هدير محرك السيارة قبيل رحيل غسان الذي «ما زال يكتب الينا من عكا».
غسان الذي ما زال يكتب، ما زالت أعماله تدرّس في مقررات المدارس والجامعات العربية، ما يشكل فخراً لقرائه ولمؤسسة كنفاني كما أورد رئيسها فاروق غندور، الذي افتتح الاحتفال، متوقفاً ملياً عند أنشطة المؤسسة التي تركز على العمل مع الأطفال ورعاية مواهبهم إلى جانب التركيز على حفظ تراث غسان الأدبي والسياسي عبر مجلدات «الآثار الخالدة» التي تجمع أعماله وصدر خامسها أخيراً. وختم غندور كلمته واصفاً «الحبيب غسان» بالرمز والانسان الكبير الذي لا يعوَّض. ومن مجموعته القصصية «أرض البرتقال الحزين»، قرأت الممثلة الفلسطينية القادمة من رام الله، رائدة طه قصة «لا شيء» التي كتبت في بيروت عام 1962 «وما زالت طازجة» حسب قول قارئتها التي لعبت دور «صفيّة» في مسرحية «عائد إلى حيفا» (لينا أبيض) التي عرضت في بيروت شتاء 2010. في نص أكثر حميمية، جاء صوت الفنان أحمد قعبور عبر الرسالة التي كتبها غسان إلى ابنة أخته لميس نجم رفيقته في الاستشهاد وترافق ذلك مع عرض ضوئي لمجموعة من الصور للشهيد وعائلته. قعبور الذي كان قد افتتح الأمسية بأغنية «حق العودة» وختمها مع الجمهور بأغنية «أناديكم»، قدّم في الأمسية أيضاً أغنية جديدة بعنوان «مين» طارحاً من خلالها سؤال «من سيفتح الباب نحو فلسطين التي في الذاكرة؟» تلك التي تظهر في رسوم أطفالها على حد تعبيره. كانت للموسيقى حصة كبيرة في الأمسية، إذ ضمت مشاركة من عازفة العود الفلسطينية هدى عصفور التي رافقت الشابة ساندي شمعون في أغنيتي «إذا الشمس غرقت» و«أصبح عندي الآن بندقية» التي أثارت حماسة الحضور، كما شاركت عصفور في وصلة مع أغنيات من التراث الفلسطيني بأداء كاتبة هذه السطور، وكما حضرت الموسيقى مع الغناء، حضرت مع الشعر بعزف على الفلوت من الشاب كرم الأشقر، الذي رافق المخرج العراقي جواد الأسدي في قراءة قصيدة «محاولة رثاء بركان»، وهي مرثية محمود درويش في الشهيد كنفاني، ويقول فيها عن لسان الشهيد: «تبعثر اسمي مع أشلائي. حين تعثرون على أشلائي تعثرون على اسمي. ولن تجدوها ما لم تجدوا وطني».