الدار البيضاء | يغرف فيصل سمرة (1956) في أعماله من الواقع، لكنّه واقع يشتغل عليه بأناة ليحوّله عالماً خاصاً وموازياً، ينحو إلى الغرائبية في بعض الأحيان. هكذا تنصهر الرموز الاستهلاكية مع أحياء الصفيح في آخر مشاريعه. هذه التيمة تحديداً هي التي اشتغل عليها في معرضه الجديد الذي أقيم أخيراً في «غاليري HD» في الدار البيضاء. في Shanty (مدن الصفيح)، اشتغل الفنان السعودي على عالم عشوائيات الدار البيضاء وضواحيها الفقيرة من مجموعة صور، وتجهيز، وفيديو. المتخرّج في معهد الفنون الجميلة في باريس، يدخل ديار المنسيين والمهمشين، ويأتي برموز الاستهلاك والرأسمالية إليهم ليواجه هذين العالمين ويبرز حجم الظلم واللاعدالة على هذا الكوكب.
في صور ثنائية diptyque، يقابل سمرة عالمين متناقضين. لدينا رموز من المجتمع الاستهلاكي على خلفية أحياء الصفيح والبؤس. يلجأ إلى الماركات والعلامات التجارية والإشارات الدالة على الإمبريالية الأميركية ويضعها في مواجهة واقع العشوائيات، كأنّنا بهذا التناقض يحمّل مسؤولية هذا الظلم للنصف الشمالي من الكوكب.
تتحول المنطقة/ الضاحية المهمشة إلى مركز حيث تختلط رموز الثقافة عبر العالم (سوبرمان، هيفا وهبي، ماركة الـ«روليكس»، قياديوّ تنظيم «القاعدة»). فكرة يرسخها في فيديو «شانتي» الذي يصوّر خمسة أشخاص من عشوائيات الدار البيضاء يصرخون طلباً للنجدة، لكن لا أحد يسمعهم. كأنّها رسالة عن غياب التواصل بين عالمي الفقراء والأغنياء. ثم هناك التجهيز الفني الذي اشتغل عليه، وقُدّم في صالة خاصة. عبر مواد أعاد تدويرها بعد جمعها من أحياء الصفيح، بنى سمرة غرفة من الصفيح ووضع داخلها فيديو «شانتي». وإذا كان الخارج استعادة «أمينة» للواقع، فإن الداخل المليء بالمرايا يتحول إلى ساحة دائمة لعرض مقاطع من فيديو «شانتي». سواء في أعماله التصويرية أو عبر الفيديو، يعمد سمرة إلى الاشتغال على الفراغ الذي يتنقل فيه الأشخاص. فراغ نلاحظه في الصور التي شكلت معرضه الأخير في الدار البيضاء. يوظّف أشكالاً ووسائط فنية مختلفة لتقديم تصوّره إلى مواضيعه: هكذا يعمل على الرسم والتصوير الرقمي والنحت والفيديو. ترصد الأشكال الفنية الموضوع ذاته، كأنها عملية يحاول عبرها سمرة رؤيته بزوايا نظر مختلفة. تقارب أعماله الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي العالمي بذكاء. في «شانتي»، نرى مثلاً كل القضايا السياسية والثقافية التي تصدّرت بداية الألفية الثالثة تتجاور في هدوء. لكنه الهدوء الذي يخفي عاصفة الأزمة السياسية المعاصرة وسيطرة ثقافة الاستهلاك، التيمة الأثيرة لسمرة. الحسينيات، وأيمن الظواهري، وأسامة بن لادن، وتمثال الحرية، وهيفا وهبي، وكوكا كولا، والفاصولياء... الانفتاح على فسيفساء الحاضر يقابلها الانفتاح على الماضي. جسر عبور من خلال إعلانات قديمة، ولقطات من أفلام كلاسيكية. في العمق، نحدس أنّ فيصل سمرة مشغول بأسئلة الهوية، خصوصاً أنّه يخفي معالم الوجوه في معظم أعماله. من هو العربي الآن؟ أي ثقافة يتبنّى؟ ثم تحضر إجابات على شاكلة رموز. وهنا بالضبط نصبح أمام مستويات مختلفة من المعاني والقراءة. هناك الواقع المتعدد لا الواحد. أمر تسهله الوسائط المختلفة التي يستخدمها والصور الثنائية التي تفتح أمام المشاهد احتمالات أكبر لرؤية الموضوع الواحد.