القاهرة | التصريحات التي أعلنتها سلمى الخضراء الجيوسي منذ أيام أثارت ردود فعل كبيرة في أوساط النقاد والكتّاب في مصر والعالم العربي. في لقاء مع ملحق «شرفات» الثقافي التابع لجريدة «عمان» في مسقط، كشفت الشاعرة والناقدة الفلسطينية المعروفة أنّ نجيب محفوظ لم يكن يستحقّ «جائزة نوبل للآداب» (1988)، مضيفةً: «لا أعتبر محفوظ كاتباً ممتعاً، وليس روائياً عظيماً على أي حال، رغم أنه أرسى قواعد الرواية العربية»، مؤكدة أنّ أمين معلوف أكثر إمتاعاً. وتابعت إنّ أحد أعضاء لجان تحكيم «نوبل» ممن كان يمانع حصول أديب عربي على الجائزة دخل المستشفى في السنة التي حصل فيها «عميد الرواية العربية» على «نوبل». وهكذا شاءت المصادفة أن يتوّج صاحب «أولاد حارتنا» بالجائزة السويدية.
الشاعر والناقد المصري شعبان يوسف رأى أن تصريحات الجيوسي استمرار لحملات تعرّض لها محفوظ منذ سنوات. وضرب مثلاً إدوارد الخراط الذي قلّل من قيمة صاحب «زقاق المدقّ»، معتبراً أنّ موهبته متوسطة ومؤكّداً أنّ مَن يستحق «نوبل» عربياً هو أدونيس والخراط نفسه. وتابع: «كل هذا نستطيع أن نضع له سياقاً. أما ما جاءت به الجيوسي فهو عجيب وغريب ومريب. حين تقول إنّه ليس ممتعاً، فهذه مسألة نسبية، تختلف من قارئ إلى قارئ آخر، وليست أحكاماً نقدية بقدر ما هي انطباعات، تفتقر الى الرصانة والدقة العلمية. كما أنّها تعقد مقارنة بينه وبين أمين معلوف مع اختلافهما في كل ما يكتبانه. هذه المقارنة غير مجدية نقدياً وفكرياً، لكنّها مجدية إعلامياً لانتشال السيدة الجيوسي من أعماق النسيان. وهذه هي رقصتها الأخيرة في مجال الإعلام».
الروائي العراقي علي بدر شكّك في صدقية تصريحات الجيوسي، لافتاً الى أنّ أرشيف «نوبل» أصبح مكشوفاً منذ عام 2000، والأرجح أنّ لجنة الجائزة قرّرت منحها للأدب العربي في 1988. وطلبت من أساتذة قسم اللغة العربية في عشر جامعات عالمية ترشيح أسماء، فرشحوا اثنين: نجيب محفوظ وأدونيس. في بادئ الأمر، كانت اللجنة تميل إلى أدونيس. يومذاك، لم يكن هناك سوى كتاب واحد منشور بالإنكليزية عن نجيب محفوظ هو كتاب اليهودي من أصل عراقي ساسون سوميخ. بعدها، بعثت لجنة «نوبل» زوجة السفير السويدي السابق إلى القاهرة، واتصلت بأشخاص معينين كالمترجم المعروف دينيس جونسون دايفس الذي كان يعيش في القاهرة، وطرحت أمامه ثلاثة أسماء: أدونيس ونجيب محفوظ والطيب صالح. أجابها أنّ الطيب صالح لم يكتب شيئاً معتبراً سوى رواية واحدة، وأدونيس عصيّ على فهم العامة، رغم هيبته كشاعر. نجيب محفوظ هو الوحيد الذي يملك هذا الإنتاج المعتبر باللغة العربية والمقروء على نطاق واسع. الأرجح أنّ هذا الرأي هو الذي صوّب نظر اللجنة باتجاه محفوظ». ويختم صاحب «بابا سارتر» أنّ محفوظ واحد من أكبر الأدباء بشهادة أبرز نقاد الأدب.
من جهته، يرى الكاتب المصري الشاب طارق إمام أنّ محفوظ ليس فوق النقد، ولا تتساوى أعماله في أهميتها وثقلها وأدبيتها، و«من حق أصغر قارئ ـــــ وليس ناقداً ـــــ أن يراه كاتباً رديئاً لو أراد». لكن المشكلة «تكمن في صدقية ما قالته الجيوسي» بأنّها منحته «نوبل» بعدما كتبت عنه تقريراً بناءً على طلب لجنة الجائزة. «حتى لو كان ذلك صحيحاً، إلا أنّه لا يعلن عنه بهذه الطريقة المجافية للياقة. بالنسبة إليّ، هناك شيء ناقص في تصريح الجيوسي لا أعرفه، ما الذي استفزها لتقول ذلك؟ ولماذا الآن؟ لا أعرف. لكني بالتأكيد ضد هذه الطريقة وأراها غير أخلاقية وغير ناضجة».
الشاعر المغربي نجيب خداري اندهش من تصريحات الجيوسي: «لا ندري ما الذي نصدقه في ادعاء الجيوسي. لكن ما نتعلمه من قراءة التاريخ أنّ لكلّ الأحداث الكبيرة والتاريخية رواة كثيرين». وشدد الكاتب السوداني طارق الطيب على أنّ القول بأنّ «محفوظ ليس روائياً عظيماً» يلوي عنق الحقيقة ومتخم بإجحاف مبالغ فيه لقامة بحجم محفوظ. فيما تساءل الكاتب الجزائري بشير مفتي: «ماذا سيقدم رأي الجيوسي أو يؤخر، ومحفوظ دخل ذاكرة الملايين من القراء العرب والأجانب؟ لا شيء». ويتابع صاحب «عربة النار» قائلاً: «عندنا، يقول رشيد بوجدرة إنّ نجيب محفوظ كاتب كلاسيكي، لكن أين العيب في أن يكون الكاتب كلاسيكياً؟ بالعكس، فالكلاسيكيات قدمت لنا أجمل النماذج الروائية. واليوم تشهد الرواية عودة قوية إلى الكلاسيكية. أعتبره كلاماً فارغاً من أي قيمة ولا يحمل إضافة ولا يحتاج حتى أن نناقشه».



لأدونيس حصة أيضاً

في حوارها مع «شرفات»، قالت الجيوسي (1928 ــ الصورة) إنّ أدونيس يستحق «نوبل»، لكنّه «باع قضيته عندما اتخذ مذهباً من سبّ وشتم الثقافة العربية منذ زمن طويل». وأعربت عن استيائها من واقع المشهد الشعري العربي، وكررت شكواها من عدم دعم الأنظمة العربية لمشروعها «بروتا» الذي يهدف إلى نقل الأدب العربي إلى الانكليزية.