القاهرة | لم يعد محمد محسن يكتفي بتقديم أغنيات التراث والفولكلور. منذ أن قدّم قبل عام وأكثر أغنية «ضحكة صغيّرة» (كلمات أحمد العايدي)، وهو يبحث عن أغنياته الخاصة لتناسب صوته الخاص المدرّب الذي يذكّر بأكابر الغناء المصري. مع «العيد» الأول للثورة المصرية، يصدر محسن ألبومه الأول. بالأحرى هو «ميني ألبوم» كما يسميه صاحبه، ليس فقط لأنه يحوي ست أو سبع أغنيات، بل ربما لأن الأغنيات تراوح بين دقيقتين أو ثلاثة لا أكثر. على أي حال، سمّى الفنان المصري الشاب ألبومه «اللف فـ شوارعك»، وهو عنوان قصيدة للشاعر مصطفى إبراهيم الذي كتب معظم أغنيات الميني ألبوم بالاشتراك مع شاعر شاب آخر هو مايكل عادل. درس مصطفى هندسة الطيران بينما درس مايكل الطب البشري. وكلاهما ـ مثل محسن ـ من مواليد منتصف الثمانينيات. إنه بالضبط الجيل الذي فجّر ثورة النيل، فمنحتهم روحها.

«الكوتشي اللي باش/ م اللف فـ شوارعك/ يحرم عليه يبوس أرض غيرك/ والقلب اللي داب/ المكوي بعمايلك/ لسّاه معبّق بريحة عبيرك»: كلمات مصطفى إبراهيم يغنيها محسن بطريقة مبتكرة يقسّم بها أشطر القصيدة بين قرار وجواب ليصبح هو الكورس لنفسه، من دون استخدام أي آلة موسيقية، مكتفياً ببعض المؤثرات الصوتية منها صوت البحر. تتعدد التجارب الموسيقية في الألبوم القصير، فإذا بلحن مختلف للنشيد الوطني المصري يغاير اللحن المعروف لسيد درويش. تولّى محسن تلحين معظم أغنيات الألبوم، لكن ثمة تنويعة أخرى هي رؤية للموسيقي اللبناني رامي يعسوب في لحن «البحر بيضحك ليه» الشهير للشيخ إمام. ينتهي هنا التجريب الموسيقي، لكننا لا نبتعد كثيراً عن التراث، فيستعيد الألبوم مقطعاً تراثياً مجهول المؤلف في أغنية «بلدك بعيدة». يقول محسن إنّ الشاعر أحمد فؤاد نجم هو من عرّفه بالمقطع الذي سمع بائع فاكهة يتغنى به «بلدك بعيدة يا عنب/ والغربة خطفت لونك». يتعاون الشاعران مصطفى ومايكل في كتابة مقطعين إضافيين يلحنهما محسن، ليقدم الثلاثة أغنية تحتفظ برائحة الفولكلور وإن بكلمات جديدة لم تبتعد كثيراً عن روح المقطع الأصلي لبائع الفاكهة.
وتظهر الثورة في قصيدة «سفينة نوح» لمصطفى إبراهيم التي تنقسم في الألبوم إلى قسمين يحلّ كلٌّ منهما في الألبوم كأغنية مستقلة: الأول بعنوان «يا شعب»/ يا شعب ماستناش/ وخد حقه بدراعه/ يا وطن مابيسعناش/ واحنا اللي بنساعه/ الدم لون واحد/ مافيهوش عبيد ولا سيد/ وان بعتوا دم شهيد/ بكرة هاتتباعوا"، أما القسم الثاني من القصيدة ــ أو الأغنية الثانية ــ فهو «يا معشر الثوار»: «يا معشر الثوار/ الكل فيكوا إمام/ ولا حد غير العلم/ رح ينضرب له سلام»، وانعكست طبيعة الكلمات على اللحنين الذين ارتديا الثوب الموسيقي للنشيد.
ليس مفاجئاً أنّ محسن كأقرانه، لم يجد حتى الآن منتجاً يتحمّس لغناء موسيقى تثور وتجرّب وتحمل طموح أجيال جديدة. لذا، أنتج الفنان الشاب لنفسه ألبومه الذي توزّعه شركة «بيراميديا». ما زال النظام القديم موجوداً في مصر السياسة، فليس غريباً أنّه ما زال يحكم مصر الفنّ. في مسيرات الثورة وميادينها، يشارك محسن ومايكل ومصطفى كثوار وكفنانين. ربما لأنهم يدركون أكثر من أي جيل سابق أنّ الحلول الفردية ليست إلا وهماً، وأنّ تحرير الفن لن يتم إلا بتحرير السياسة.