تشبه أحوال الثقافة في دمشق اليوم، مريضاً بكيس من السيروم يتدلّى فوق سريره في غرفة الإنعاش. فاتورة الخسائر أكبر بمرّات من فاتورة الأرباح. في زمن الحرب، تبدو كلمة «ثقافة» ضرباً من العبث. عاصمة الأمويين في حال من الغيبوبة القصوى، عدا مبادرات متباعدة لضخ الدماء في الأوردة المعطوبة في غياب المهرجانات السنوية للمسرح والسينما والغناء. مسارح شبه مغلقة، وما تبقى من صالات سينمائية يشكو ندرة الأفلام الجديدة («صديقي الأخير» لجود سعيد، و«مريم» لباسل الخطيب)، كما أنجز محمد ملص فيلمه «سلّم إلى دمشق» في الوقت المستقطع، بين قذيفة، وانفجار، ولا يزال فيلم «العاشق» لعبد اللطيف عبد الحميد في العلب. العروض المسرحية التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، غيّرت مواعيدها المسائية، من الثامنة ليلاً، إلى الخامسة مساء، أو حسب مواعيد انقطاع الكهرباء، نظراً إلى صعوبة المواصلات ليلاً لمن يقطن أطراف العاصمة. بين العروض التي لاقت إقبالاً لافتاً «ليلي داخلي» للمخرج سامر محمد إسماعيل، إذ عبر دمشق إلى «أيام قرطاج المسرحية» كأول عرض سوري يشارك في الملتقى العريق منذ سنوات. وحدها غاليريهات الفن أغلقت أبوابها تماماً، وهاجر أصحابها إلى بيروت ودبي والقاهرة، فيما استضافت هذه الغاليريهات في موطنها الطارئ، بعض تجارب المحترف السوري في معارض جماعية، تحت شعار «الفن السوري الآن»، رغم تباين هذه التجارب في مرجعياتها وتوجهاتها الفكرية.
ولعل الحدث الأكثر تأثيراً، في الساحة التشكيلية هذا العام كان خبر اعتقال يوسف عبد لكي (35 يوماً)، مما أثار مخاوف المثقفين في الداخل، خصوصاً أنّ هذا التشكيلي البارز، رفض مغادرة البلاد، في لحظتها الحرجة، وواكب تحوّلات المشهد، في أعمالٍ مهمّة. من جهتها، واجهت صناعة الكتاب، عبئاً ثقيلاً، بعدما أطاحت الحرب المشتعلة في ريف دمشق، معظم المطابع، ومستودعات الورق، ومخازن الكتب، فتوجه بعض الناشرين إلى بيروت. ويلحظ أنّ الرواية السورية سجّلت حضوراً واسعاً عبر دور عربية في أعمال لنبيل سليمان (مدائن الأرجوان ــ دار الصدى، دبي)، وخالد خليفة (لا سكاكين في مطابخ المدينة» (العين ــ الآداب) الذي نال «جائزة نجيب محفوظ» في القاهرة، وخليل الرز (بالتساوي ــ الآداب)، ولينا هويان الحسن (نازك خانم ــ ضفاف، الاختلاف)، وعمر قدور (من لا يعرف سيمون ــ دار نون، رأس الخيمة).
المحنة الكبرى حقاً، تتعلّق بالخريطة الأثرية، ذلك أنّ فوضى الحرب أتاحت للمهرّبين، واللصوص، نبش الكنوز الأثرية، ومبادلتها بالسلاح أو المال. وهناك أمل ضئيل باستعادة بعض الآثار المنهوبة، بعدما أعلن المدير العام لـ«المجلس الدولي للمتاحف» (الايكوم) جوليان انفرونس، رفع درجة الاستنفار والمباشرة بإعداد قائمة طوارئ حمراء للقطع الأثرية السورية المعرّضة للخطر، وهي أداة فعّالة تسمح بتعقّب القطع المهرّبة، كما تساعد في حماية التراث الثقافي في العالم لأكثر من عشر سنوات. ووفقاً لمتخصّصين في الآثار، فإنّ هذا الإعلان يعكس جدّية المخاطر التي باتت تهدّد التراث الثقافي والتاريخي السوري الذي يعتبر جزءاً من التراث العالمي والإنساني. في السياق ذاته، أطاح تكفيريون، رأس تمثال أبي العلاء المعري في مدينة معرّة النعمان، وتمثال محمد الفراتي في دير الزور، ثم تمثال أبي تمّام في حوران، وسجّل هذا العام غياب الشاعر سليمان العيسى، والروائي عبد النبي حجازي، والباحث مازن صبّاغ، وفوز نزيه أبو عفش بـ «جائزة سلطان العويس» في الشعر، وخالد خليفة بـ«جائزة نجيب محفوظ للرواية».