مَن يشاهد النسخة السينمائية الجديدة من «روميو وجولييت» قصة الحبّ الأشهر في تاريخ الأدب، يظن أنّ ثمة كرهاً أعمى يكنه المخرج كارلو كارلي لأب الأدب الإنكليزي وليم شكسبير. لم يحدث في تاريخ السينما أن قدّمت هذه المسرحية بهذا التسطيح والتسخيف ناسفاً جماليتها الأدبية من خلال عمل نجح في أن ينال اجماع النقاد السينمائيين على سوئه. عندما يقدم أي مخرج على صنع شريط عن قصة يحفظ تفاصيلها كل صغير وكبير، يجب أن يكون الجهد مضاعفاً ويكون المخرج مطالباً أكثر من العادة بتقديم ما يبهر المشاهدين ليغطي ثغرا موضوعية تتعلق بمعرفة المشاهدين المسبقة لكل تفصيل في الحبكة وعقدها ونهايتها ناسفاً كل عنصر مفاجأة. هنا يجب على المخرج والكاتب أن يترك لمخيّلته اجتراح توليفات وحياكة عقد وأحداث ثانوية ويتركها تطفو الى سطح الرواية واضعاً فيها ثقله. أما المخرج الإيطالي، فقد أعفى نفسه من هذا الجهد كلياً، وقدم العمل بكلاسيكيته المفرطة من دون أي إضافة، موفّراً على نفسه عناء الابتكار. كان في امكانه اجتراح عقد جديدة أو صنع بعض التشويق في طريقة ادارته للحبكة والتركيز على البعض التفاصيل التي غالباً ما تهمل عند ذكر تفاصيل رائعة شكسبير، لكنّه بدا مستهتراً إلى حد غير مقبول.

حتى أنّ السكريبت كتب بطريقة تحاكي الطريقة الشيكسبيرية الشعرية، مانحاً أدوار البطولة لكل من المراهقة هايلي ستينفيلد والشاب دوغلاس بوث. بدا السكريبت عليهما فضفاضاً ومصطنعاً إلى درجة مضحكة لتتحول أكثر المشاهد جدية ودراماتيكية في النسخة الاصلية للعمل إلى مشاهد كوميدية مثيرة للسخرية.
في الوقت عينه، جعل المخرج المشاهد الرومانسية التي اشتهرت بها القصة مشاهد عابرة من دون أي قيمة تذكر كمشهد ملاقاة روميو حبيبته على شرفتها ومشهد تسلّله الى الاحتفال الذي تقيمه عائلتها، فبدا التوتر مفتعلاً بشكل مبالغ فيه. وحتى أنّ علاقة الحب والطريقة التي يغرم أحدهم بالآخر بدت «مسلوقة» وغير منطقية خالية من اللهفة الحقيقية التي يمكن أن تقنع أنّ أحداً قد يُغرم بشخص الى حد الانتحار من أجله.
أما بالنسبة إلى الإخراج، فحدث ولا حرج. هنا تحديداً حيث يُفترض أن يعيد المخرج بناء عالم جديد يجعلنا نعيش تلك الحقبة التاريخية من القرن السادس عشر، فقرر كارلي التوفير والاقتصاد. بدا تصميم الأزياء والطرقات والقصور فقيراً لا يتناسب مع أحداث الرواية التي تتحدث عن طبقة من بورجوازية مطلقة مقابل طبقة أخرى شبه معدمة، فحتى هذا الصراع الطبقي الذي يعد من أساس العمل نسفه المخرج وجعل الصراع بين الطبقتين مجرد صراع عائلي. وكذلك التصوير كان عادياً، من دون كادرات فنية أو لقطات تغلق في الذاكرة كأن العمل أنجز على عجل وبما تيسر مما انعكس سلباً على الشريط برمته.
الفقر أيضاً ينتقل إلى التمثيل حيث تولى السكريبت مهمة إفشال أداء البطلين وتسخيفه. عندما يختار المخرج للبطولة ممثلين يافعين ذوي وجه طفولي، لا يجب أن يكون حوارهما ثقيلاً وأدبياً وشعرياً ليتناسب مع عمريهما، وهذا التناقض انسحب على سائر الممثلين. وكان واضحاً أن البطلين حاولا جهدهما في انجاح العمل وسعيا الى تجسيد الشخصيتين بقدر من الاحتراف، لكنهما اصطدما بما ارتكبه كارلي الذي حرم نفسه من فرصة تصحيح كوارثه مضيفاً اليها كارثة أكبر أسهمت في إغراق العمل أكثر فأكثر.
العمل الذي انتج بكلفة متدنية كانت عائداته أكثر تدنياً. ولا يمكن التوقع منه الكثير لا سيما مع كل السخط الذي أثاره حوله النقاد تحديداً في المملكة المتحدة. هذا العمل أساء إلى المخرج الذي لم يصل بعد الى الشهرة التي يطمح اليها، وأساء الى الممثلة هايلي ستينفيلد التي كانت قد بدأت بشق طريقها الى النجومية وهي لم تتجاوز سنها السادسة عشرة. والأهم أنّه أساء الى رائعة شكسبير التي تعد من الأكثر نقلاً إلى السينما، واليوم نتعرف الى النسخة الأفشل منها على الإطلاق.
لهذا لم يكن مستغرباً أنّ أكثر من ثلاثة أرباع مشاهدي الفيلم لم يتجاوزوا سنّ بطلة الفيلم. هؤلاء ربما لا يكونون قد تعرفوا إلى الرواية بعد. وقد تبهرهم النهاية التي يعود فضلها الى شكسبير نفسه لا الى حضرة المخرج كارلو كارلي.



Romeo and Juliet: صالات «سينما سيتي» (01/899993)، «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)