في جهد بحثي وتنقيبي، أخرج جورج كدر آلهة العرب القديمة إلى الضوء في معجم مرتّب على حروف الهجاء. «معجم آلهة العرب قبل الإسلام» (دار الساقي)، يكتسب أهمية كبيرة من الناحيتين التاريخيّة الدينية واللغويّة بشموله فضاء العرب ما قبل الإسلام، ومنعكساً بدلالاته على فترات ما بعد الإسلام بقرون عدة. أكثر من 330 صنماً عبدها العرب قبل الإسلام، ومنها ما استمرت عبادته لما بعد الإسلام ضمّها المعجم الذي «يأتي تتويجاً لأعمال السابقين من القدماء والمعاصرين». فعلياً، تكفي نظرة على فهارس مصادر الكتاب حتى ندرك أهمية هذا العمل التنقيبي. مروحة المراجع لا تقتصر على المؤرخين القدماء كهيرودوت اليوناني، والمسلمين كاليعقوبي وابن الأثير والطبري والمحدثين كجواد علي، بل تستعين بكتب الأنساب والشعر والتفسير وغيرها من العلوم، ما يخرج إلى الواجهة حياة دينية غنية عاشها العرب قبل الإسلام خارج التنميطات المفهومية التي استدرجها الفقهاء لاحقاً من خلال مصطلح «الجاهلية الأولى» الوارد في النصّ المؤسّس. مثلاً، يخبرنا المعجم أنّ العرب عبدوا «أورانيا» الاسم المقابل للإلهة اللات. بحسب هيرودوت، شكلت هذه الإلهة ثنائياً ذكرياً وأنثوياً مع الإله العربي القديم أوروتال. إله ورد في نقوش ثمود كما ذكر بعض المستشرقين.
هذه الاستنتاجات المقارنة التي تظهرها المكتشفات الأثرية وبعض أمهات النصوص القديمة تسمح بتحديد مشتركات الفكر الديني القديم بين العرب وغيرهم في فترة ما قبل الإسلام، وخصوصاً إذا تتبعنا سيرة بعض أهم الأوثان التي عبدها العرب القرشيون وبعض القبائل. في قصّة كلّ صنم وتاريخ عبادته، يتبدّى جانب من أنماط العيش والتفكير لدى قبائل العرب قبل الإسلام، فضلاً عن النظرة إلى الكون والطبيعة ودور هذه الأصنام في حياة هذه القبائل تجارياً واجتماعياً ونفسياً. في هذا السياق، يشدّد الكاتب السوري على نقطة حساسة عند الحديث عن جزيرة العرب في العالم القديم على اختلاف جغرافيتها في الذهنية آنذاك. يستشهد بنصّ للهمداني يشمل الفضاء السوري وحدود بلاد ما بين النهرين شمالاً. هذا الفهم يدخل حضارياً الفضاء السامي بكامله في دائرة التلاقح مع جزيرة العرب. وهذا ما نراه منعكساً في أسماء بعض الأصنام العربية في ما خصّ التنوع والتطور في جذورها اللغوية الأصلية.