تحت عنوان Belts (أحزمة)، يقدّم التشكيلي اللبناني سعيد بعلبكي (1974) معرضاً فردياً في «غاليري أجيال» يتوزع بين 14 لوحة تحمل عنوان Heap (كومة) ولوحتين تحملان عنوان Belt (حزام). تمتدّ هذه اللوحات من عام 2009 حتى 2013. عند دخول المعرض، سوف يلاحظ المتابع لأعمال بعلبكي أنه أمام لوحات جميلة جداً اعتادها، لكن الحقائب ما زالت تتكدس في «كومة»، وما زالت تلك السترة، بلا رأس، تتوسط لوحات «حزام» مع تغييرات في الألوان والأشكال والأحجام وتفاصيل أخرى. منذ عام 2009، بقيت الحقائب والسترة عناصر حاضرة ومتكررة في أعمال سعيد بعلبكي. وقد يكون المعرض الحالي في «غاليري أجيال» خاتمة لتلك السلسلة، وخصوصاً أنّه ظهر فيها عمل منفرد بعنوانMon(t) Liban كان بعلبكي قد قدّمه أخيراً ضمن أعمال أخرى (منحوتات وتجهيزات فنية) في معرض حمل عنوان «جولة في تراثنا» أقيم في «مركز بيروت للمعارض». أعمال يبدو أنها تكرّس منحى جديداً في مسار الفنان، إذ تعيد مقاربة رموز لبنانية مثل تمثال الشهداء، وشجرة الأرز، واللباس التقليدي ضمن قوالب تعيد النظر وتسائل المعنى الحقيقي لتلك الرموز بوصفها أشياء حفرت مكانها في الذاكرة الجماعية اللبنانية، محافظاً على منحى مساءلة الظاهرة المتحفيّة التي بدأها في «براق» (راجع الكادر).
يبقى اللافت للنظر في تلك المسيرة، توقف الفنان عند موضوع واحد فترة زمنية طويلة وتناوله في لوحات عديدة قاصداً التكرار والتكرار. يبدو ذلك واضحاً وملموساً جداً في «كومة» و «حزام» المعروضين في «غاليري أجيال». ذلك الخيار الفني نجده أيضاً عند زملاء لسعيد بعلبكي، أمثال أيمن بعلبكي، وحسين بعلبكي، وتغريد درغوث، كل مع موضوعاته وعلى طريقته، لكن أعمال سعيد بعلبكي، وخصوصاً المعروضة هنا، تثير في تكرارها أسئلة كثيرة حول جدوى ذلك التكرار، وتوقيت المعرض في بيروت. وهنا نتوقف فقط عند الموضوع وفعل التكرار والتراكم المقصود في أعمال الفنان، لا في أسلوب الرسم.
عندما بدأ سعيد بعلبكي برسم الحقائب والثياب والأغراض المتكدسة في «كومة» كان ولا يزال ينطلق من تجربة شخصية عاشها مع عائلته خلال طفولته. خلال الحرب الأهلية اللبنانية، تنقّل بعلبكي مع عائلته كثيراً بين القرى اللبنانية. تجربة شهدت الكثير من حزم الأمتعة، وتكديسها وتحولها إلى أكوام سرعان ما ظهرت في لوحاته. في المرحلة الأولى من عرض تلك الأعمال، تمكّن بعلبكي من إثارة أسئلة حول النزوح خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والبحث عن الهوية. وبالرغم من كثرة تداول هذه التيمات ومرور أكثر من 20 سنة على انتهاء الحرب، إلا أنّ بعلبكي استطاع أن يقدم عبرها طرحه وتساؤلاته الفنية الخاصة. كذلك في «حزام»، شاهدنا تلك السترة من دون رأس تتوسط لوحات عديدة وتدير لنا ظهرها، تجسيداً للسلطة الديكتاتورية التي يتغير رأسها من دون أن يتغير فعلها. وفي ظل تغيّر السلطات في العالم العربي، ونزوح السوريين من بلدهم إلى شتى بقاع الأرض، يسهل إسقاط الكثير من المعاني على تلك اللوحات إلى درجة الابتذال حتى، لكن ما الذي يدفع بفنان تشكيلي إلى تناول موضوعات مثل الحرب الأهلية والهوية والسلطة الديكتاتورية في أعماله ضمن طرح موحّد تتغير فيه التفاصيل، لمدة تفوق 5 سنوات من العمل المتواصل وتقديم المعارض في عواصم عالمية عديدة؟ ولماذا يعود ليقدم اليوم هذه الأعمال ومجدداً في بيروت ضمن معرض فردي، بدلاً من تقديم أعمال جديدة؟ إذا وضعنا جانباً النظريات النقدية التي ترى في خيارات فنية مماثلة استسلاماً لعملية الطلب في السوق الفنية والمواضيع المطلوبة في السوق الأوروبية (الحرب والهوية والديكتاتورية العربية)، لا نجد في خيار سعيد بعلبكي سوى فعل تحويل لوحاته بحد ذاتها إلى كومة من اللوحات المتكدسة مثل الحقائب في لوحاته. لعل بعلبكي يحاول عبر هذا التكرار والتراكم أن يعالج لوحاته كما يعالج تراكم الحقائب في «كومة»، كما لو أنه يطرح نوعاً من الانطباعية الجديدة التي تحول سلسلة الأعمال إلى عمل واحد، لا يختفي فيه التفصيل، لكنّه لا يكتمل سوى مع اللوحات الأخرى. ويبقى السؤال حول جدوى خيارات المواضيع المطروحة اليوم في عام 2013، على أمل أن يكون ذلك المعرض فعلاً ختاماً لتلك السلسلة، وانطلاقة نحو أعمال جديدة.

«أحزمة» لسعيد بعلبكي: حتى 28 أيلول (سبتمبر) ـــــ «غاليري أجيال» (الحمرا ـ بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/345213




زمن البراق


ولد سعيد بعلبكي (الصورة) في لبنان، وانتقل عام 2007 إلى برلين، حيث أكمل دراسته وحاز جوائز وقدم معارض هناك، إلى جانب كل من باريس ونيويورك ولندن ودبي، فيما يقيم حالياً بين بيروت وبرلين. في 2007، أطلق مشروع «براق» الذي هو عبارة عن تجهيز فني قدمه على مراحل. في هذا العمل، ساءل بعلبكي كتابة التاريخ والعلم المتحفي والانتروبولوجيا من خلال تقديم أعمال صنعها بذاته ونسبها إلى تاريخ يعود إلى بداية الألفية الأولى، زمن البراق.